الفرنسي" لا يمكن أن يعزى إلى الجيش الفرنسي الذي لم يكن قد عاد بعد من إيطاليا. وأخذ لفظ "المرض الفرنسي morbus gallicus" منذ عام ١٥٠٠ يطلق على مرض الزهري في جميع أنحاء أوربا (٣٢). ويحسن بنا أن نختتم هذه الفقرة بقولنا إن هذه كلها إشارات ولست أدلة قاطعة على أن الزهري كان موجودا في أوربا قبل عام ١٤٩٣.
أما القول بأن أصل المرض أمريكي فقائم على تقرير كتبه طبيب أسباني يدعى راي دياز ده إزلا Rug Diaz da Izla بين عامي ١٥٠٤ و ١٥٠٦ (ولكنه لم ينشر إلا في عام ١٥٣٩). وهو يقول إن قبطان سفينة أمير البحر أصيب في أثناء عودة كولمبس إلى أوربا بحمى شديدة مصحوبة بطفح جلدي مروع؛ ويضيف إلى ذلك قوله إنه هو نفسه عالج وهو في برشلونة بحارة مصابين بهذا المرض الجديد الذي لم يكن، على حد قوله، معروفا فيها من قبل. وقد قال إنه هو بعينه المرض الذي كانت تطلق عليه أوربا اسم "المرض الفرنسي" ويؤكد أن العدوى قد جاءت إليهم من أمريكا (٣٣)، ومعروف أن كولمبس حين عاد من رحلته الأولى إلى جزائر الهند الغربية وصل إلى بالوس Palos في أسبانيا في الخامس عشر من شهر مارس سنة ١٤٩٣. وقد لاحظ بنتور Pintor طبيب البابا اسكندر السادس في ذلك الشهر نفسه ظهور المرض الفرنسي لأول مرة في روما (٣٤). ومرت سنتان كاملتان تقريبا بين عودة كولمبس واحتلال الفرنسيين نابلي- وهي مدة تكفي لانتشار الداء من أسبانيا إلى إيطاليا-؛ غير أننا لسنا واثقين من أن الوباء الذي اجتاح نابلي في عام ١٤٩٥ هو الزهري عينه (٣٥)، والعظام التي يمكن أن يفسر ما فيها من تغيرات على أنه من فعل الزهري جد نادرة في المخلفات الأوربية قبل عهد كولمبس، لكن عظاماً كثيرة من هذا النوع قد وجدت في أمريكا من مخلفات العهود السابقة لرحلة كولمبس (١)(٣٦).
(١) ويختم سارتن بحثه بقوله: "أما من حيث الزهري فإني قد عجزت حتى الآن عن أن أكشف وصفاً واحداً له قبل الأوصاف التي ظهرت متتابعة تتابعاً سريعاً في عام ١٤٩٥ والأعوام التالية له. ولا أزال حتى الآن غير مقتنع رغم التأكيدات الكثيرة التي صدرت في السنين الأخيرة، بأن الزهري الأوربي وجد قبل أيام كولمبس" (٣٧). ومن شاء الاستزادة من العلم بتاريخ الأوبئة وأثرها في أحداث العالم فإنه واجد علماً ومتعة في كتاب Rats, Lice and History الذي ترجمه إلى العربية الدكتور أحمد بدران ونشرته مؤسسة فرانكلين باسم التيفوس والتاريخ.