وقتئذ في مقدمة الأوبئة الأوربية. وقاست أوربا في عام ١٥١٠ أول وباء أنفلونزا سجله التاريخ في ربوعها. واجتاح إيطاليا في عامي ١٥٠٥ و ١٥٢٨ وباء من أوبئة التيفوس- وهو مرض لم يرد له ذكر قبل عام ١٤٧٧. ولكن ظهور الزهري فجأة وانتشاره السريع في إيطاليا وفرنسا في أواخر القرن الخامس عشر كانا أكثر الظواهر رهبة وأشدها اختباراً لعلم الطب في عصر النهضة. ولسنا نعرف هل كان الزهري موجودا في أوربا قبل عام ١٤٩٣ أو هل جاء إليها من أمريكا حين عاد منها كولمبس في ذلك العام، فتلك مسألة لا تزال مثار الجدل بين العلماء وليس هذا موضع البت فيها.
وتؤيد بعض الحقائق النظرية القائلة إنه مرض أصيل في أوربا؛ من هذه أن مومسا أقرت في محكمة بديجون أنها أقنعت أحد طلابها بعدم الاقتراب من لأنها مصابة بالمرض الكبير le gros mal، ثم لا نرى بعدئذ وصفا لهذا المرض في ذلك السجل (٣٠). وفي الخامس والعشرين من شهر مارس سنة ١٤٩٤ أمر منادى المدينة في باريس أن بأمر كل المصابين بـ البثرة الكبيرة (٣١). أن يخرجوا من المدينة. ولسنا نعرف ماذا كانت هذه "البثرة الكبيرة"، فلربما كانت هي الزهري نفسه. وفي أواخر عام ١٤٩٤ غزا إيطاليا جيش فرنسي، واحتل نابلي في ٢١ فبراير من عام ١٤٩٥، وسرعان ما فشا فيها بعدئذ وباء أطلق عليه الإيطاليون اسم الداء الفرنسي il morlo galolico يزعمون أن الفرنسيين قد جاءوا به إلى إيطاليا. وأصيب بهذا المرض كثيرون من الجنود الفرنسيين، ولما عاد هؤلاء إلى فرنسا في شهر أكتوبر من عام ١٤٩٥ نشروا الوباء بين الأهلين؛ ولهذا سمى في فرنسا مرض نابلي Le mal de Naples لأن الأهلين افترضوا أن الجنود الفرنسيين قد أصيبوا به فيها. وفي السابع من عشر أغسطس عام ١٤٩٥ أي قبل عودة الجيش الفرنسي من إيطاليا بشهرين أصدر الإمبراطور مكسميليان مرسوما ورد فيه ذكر المرض الفرنسي Malum Francicum؛ وغير خافٍ أن هذا "المرض