وهو في التاسعة والعشرين من عمره أميناَ للديتشي دلا جويرا Dieci della Guerra- مجلس الحرب المكون من عشرة- وظل في هذا المنصب أربعة عشر عاماً.
وكان هذا المنصب في بادئ الأمر من المناصب المتواضعة- عمله جمع محاضر الجلسات، والسجلات، وتلخيص التقارير، وكتابة الرسائل؛ ولكنه كان يعمل في أداة الحكم، ويستطيع مراقبة سياسة أوربا من نقطة الملاحظة الداخلية، وكان في وسعه أن يحاول التنبؤ بالتطورات المقبلة بتطبيق معلوماته التاريخية .. وأحست روحه المتوثبة، العصبية، الطموحة، بأن الوقت دون غيره هو الذي يحتاجه لكي يرقى إلى القمة، ويسخر قوى الدولة العنيفة ضد دوق ميلان، ومجلس شيوخ البندقية، وملك فرنسا، وملك نابلي، والبابا، والإمبراطور. وما لبث أن أرسل في بعثة إلى كترينا اسفوردسا Caterina Sforza كونته إمولا وفورلي (١٤٩٨). وأثبتت كترينا أنها أشد دهاء من أن تقع في حبائله، فعاد صفر اليدين بعد أن لاقى جزاءه. وجُرّب مرة أخرى بعد عامين، وصحبه في هذه التجربة فرانتشيسكو دلا كاساس في بعثة إلى لويس الثاني عشر ملك فرنسا. ومرض دلا كاسا، وكان على مكيفلي أن يرأس البعثة؛ فتعلم اللغة الفرنسية، وتنقل مع الحاشية من قصر إلى قصر، وبعث إلى مجلس السيادة من الأنباء اليقظة، والتحليلات الدقيقة، ما جعل أصدقاءه في فلورنس يثنون عليه ويقولون إنه أصبح دبلوماسياً ضليعاً.
وكانت نقطة الانقلاب في تطور ذهنه هي البعثة التي عين فيها مساعداً للأسقف سدريني وسافرت إلى سيزاري بورجيا في أربينو (١٥٠٢). ولما استدعى إلى فلورنس ليلقى بياناً عنها بنفسه، احتفل بمنزلته الراقية التي بلغها في العالم بأن أتخذ له زوجة. وأرسل مرة أخرى إلى سيزارى في شهر أكتوبر، فالتقى به في إمولا، ووصل إلى بنجاليا Benigallia في الوقت الذي