للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن الصلاح والخير هما الرقة، والذلة، والاستسلام وعدم المقاومة، وحبها للسلم، وتنديدها بالحرب؛ وافتراضها أن الدول والأفراد مرتبطون بقانون أخلاقي واحد. وهو يفضل عن هذه المبادئ القانون الأخلاقي الروماني، القائم على المبدأ القائل إن سلامة الشعب أو الدولة هي القانون الاعلى: "وحيث يكون الأمر أمر مصلحة بلادنا وخيرها، وجب علينا ألا نقبل البحث في العدل أو الظلم والرحمة أو القسوة، وما هو خليق بالثناء أو الازدراء؛ بل يجب أن نسلك كل سبيل ينقذ حياة الأمة وحريتها وننحى كل ماعدا هذا جانباً" (٩٧). ذلك أن الأخلاق بوجه عام إن هي إلا قانون للسلوك وضع لأفراد المجتمع أو الدولة لحفظ النظام الجماعي، والوحدة، والقوة؛ وإن حكومة تلك الدولة لتعجز عن أداء واجبها، إذا كانت وهي تدافع عن الدولة، تسمح بأن تقيد نفسها بالقانون الأخلاقي الذي يجب عليها أن تغرسه في نفوس شعبها. ومن ثم فإن الدبلوماسي غير مقيد بالقانون الأخلاقي الذي يتقيد به شعبه. "فإذا ما أدانه عمل قام به وجب أن تغفر له نتيجة هذا العمل ذنبه" (٩٨)؛ ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة. "وما من رجل صالح يلوم رجلا غيره يحاول أن يدافع عن بلاده، أيا كانت السبل التي يسلكها لهذا الدفاع" (٩٩). فضروب الغش، والقسوة، والجرائم التي يرتكبها الرجل في سبيل الاحتفاظ بدولته، كلها "غش شريف" و "جرائم مجيدة" (١٠٠). ومن ثم فإن رميولوس كان على حق حين قتل أخاه، لأن الحكومة الناشئة كانت تتطلب الوحدة، وإلا مزقت إرباً (١٠١). وليس ثمة "قانون طبيعي" أو "حق" متفق عليه من الناس جميعاً؛ والسياسة إذا قصد بها فن الحكم يجب أن تكون مستقلة عن الأخلاق استقلالا تاماً.

وإذا ما طبقنا هذه المبادئ على قانون الحرب الأخلاقي، فإن مكيفلي واثق كل الثقة من أنها تجعل نزعة السلام المسيحية سخفاً وخيانة. ذلك أن الحرب تناقض وصايا موسى كلها تقريباً؛ فهل تجيز القسم، والكذب،