والسرقة، والقتل، وارتكاب الزنا آلاف المرات، ولكنها إذا ما حافظت على المجتمع أو كانت سبباً في تقويته فهي خير. وإذا ما وقفت الدولة عن التوسع أخذت بالاضمحلال، وإذا فقدت الرغبة في الحرب قفل عليها السلام. والسلم إذا طال فوق ما يجب يؤدي إلى الضعف والتفكك، ولذلك كانت حرب تدور بين الفينة والفينة مقوية للقومية، تعيد للأمة النظام، والشدة، والوحدة. ولهذا فإن الرومان في عهد الجمهورية كانوا دائماً مستعدين للحرب، فإذا رأوا أنهم مقبلون على نزاع مع دولة أخرى، لم يفعلوا شيئاً يجنبهم الحرب؛ بل أرسلوا جيشاً ليهاجم فيليب في مقدونية وأنطونوخيوس الثالث في بلاد اليونان ولم ينظروا حتى يأتي هذان المليكان بشرور الحرب إلى أرض إيطاليا (١٠٢). ولم يكن الروماني يرى أن الفضيلة هي الذلة، أو الرقة، أو السلام، بل كان يرى أنها هي القوة، والرجولة، والبسالة، مضافة إلى النشاط والذكاء. وهذا ما يعنيه مكيفلي بلفظ Vlrtu.
ثم ينتقل مكيفلي من هذه النظرة نظرة الحاكم المتحرر من القيود الأخلاقية ليواجه ما كان يبدو له أنه هو المشكلة الأساسية في أيامه: وهي أن يحصل لإيطاليا على الوحدة والقوة اللتين لا غنى عنهما لنيل حريتها الجماعية. وهو يرى بعين المقت ما يسود بلاده من انقسام، واضطراب، وفساد، وضعف؛ وهنا نرى ما كان في أيام بترارك جدّ نادر- نرى رجلا لا يؤدي تفانيه في حب قطره إلى أي نقص في حب مدينته. فإذا ما بحث عن الذي تقع عليه تبعة بقاء إيطاليا مقطعة الأوصال، ضعيفة بسبب ذلك أمام العدو، قال:
لا تستطيع أمة من الأمم أن تكون متحدة وسعيدة إلا إذا كانت تطبع حكومة واحدة سواء كانت جمهورية أو ملكية، كما هي الحال في فرنسا وأسبانيا؛ والسبب الوحيد الذي يمنع إيطاليا من أن تكون هذه حالها هو الكنيسة. ذلك أنها وقد حصلت لنفسها على سلطان زمني واحتفظت