بهذا السلطان، لم تؤت في يوم من الأيام من القوة أو الشجاعة ما يكفي لان يجعلها قادرة على الاستيلاء على بقية البلاد وفرض سيادتها الوحيدة على إيطاليا بأجمعها (١٠٣).
وهنا تبدو لنا فكرة جديدة: تلك هي أن مكيفلي لا يهاجم الكنيسة لأنها تدافع عن سلطتها الزمنية، بل يهاجمها لأنها لم تستخدم جميع مواردها لإخضاع إيطاليا كلها لحكمها السياسي. ومن أجل هذا أعجب مكيفلي بسيزارى بورجيا في إمولا وسنجاليا لأنه ظن أنه وجد في هذا الشاب القاسي فكرة إيطاليا المتحدة وأملها (١)؛ وكان على استعداد لأن يبرر أية وسيلة يستخدمها آل بورجيا ليحققوا بها ذلك الهدف الأسمى النبيل. ولربما كان خروجه على سيزارى بورجيا، حين خرج عليه في روما عام ١٥٠٣، بسبب غضبه من أن معبوده هذا قد سمح بأن تقضى كأس من السم (كما كان مكيفلي يظن) على هذا الحلم اللذيذ.
وكان قد مضى على إيطاليا قرنان من الزمان وهي مقسمة مشتتة، سببا لها من الضعف والانحلال الاجتماعي ما لم يكن لينجيها منهما (في رأي ميكيفلي)
(١) كتب جوتشيارديني تعليقا هاماً على هذه الفقرة قال فيه: "صحيح أن الكنيسة قد حالت بين إيطاليا وبين اجتماعها في دولة واحدة، ولكني لا أعرف أخير هذا أم شر. نعم إنها لو أصبحت جمهورية واحدة لكان هذا بلا ريب سبباً في ارتفاع اسم إيطاليا إلى ذروة المجد، ولكان فيه أعظم النفع لعاصمة تلك الجمهورية، ولكنه كان يؤدي حتما إلى خراب جميع ماعداها من المدن. وما من شك أيضا في أن انقسامنا قد جر علينا كثيراً من الكوارث، وإن كان من واجبنا أن نذكر أن غزوات البرابرة قد بدأت في أيام الرومان أي في نفس الوقت الذي كانت فيه إيطاليا متحدة. ولقد أفلحت إيطاليا المنقسمة على نفسها في أن تضم عدداً كبيراً من المدن الحرة، حتى لأعتقد أنها لو اتحدت في جمهورية واحدة لجرت عليها هذه الجمهورية من الشقاء أكثر مما أنالته إياها من السعادة … لقد كانت هذه البلاد تتوق إلى الحرية على الدوام، ولهذا فإنها لم تتحد قط تحت سلطان حكومة واحدة"- (١٠٤) Consiperazioni interno ai Discorsi di machiavelli I, ١٢