إلا أشد الوسائل عنفاً. فلقد عم الفساد الحكومات والشعب، وحلت الرذائل الشهوانية محل الروح الحربية والمهارة العسكرية؛ وعهد المواطنون إلى غيرهم- كما عهد إليهم أيام احتضار روما القديمة- عهدوا إلى الجيوش المرتزقة كما عهدوا أولئك إلى البرابرة- أن يدافعوا عن مدنهم وأرضهم؛ وماذا يهم تلك العصابات المأجورة أو يهم زعماءها من وحدة إيطاليا؟ إنهم يعيشون ويتخمون بسبب انقسامها. لقد اتفقوا فيما بينهم على أن يتخذوا الحرب لعبة لا تقل لهم أمنا عن السياسة؛ فجنودهم لا يقبلون بحال من الأحوال أن يعرضوا أنفسهم للقتل، وإذا ما التقوا بالجيوش الأجنبية ولوا الأدبار، وأنزلوا إيطاليا منزلة الاسترقاق والاحتقار" (١٠٥).
وإذن فمنذا الذي يوحد إيطاليا؟ وكيف السبيل إلى هذه الوحدة؟ ليست السبيل إليها هي الإقناع بالوسائل الديمقراطية؛ ذلك أن الرجال متطرفون في نزعتهم الانفرادية، وفي حزبيتهم، وفسادهم، مما يحول بينهم وبين قبول الوحدة قبولا سليماً، ومثلهم في ذلك مثل المدن نفسها؛ ولهذا فإن هذه الوحدة لابد أن تفرض عليهم بجميع وسائل السياسة والحرب؛ ولا يستطيع أحد أن يفعل هذا غير الطاغية القاسي الذي خلا قلبه من الرحمة؛ والذي لا يسمح لضميره بأن يجعل منه إنساناً جباناً، بل يضرب بيد من حديد، ويجعل هدفه العظيم يبرر كل ما يلجأ إليه من الوسائل.
ولسنا واثقين من أن هذا هو المزاج الذي ألف به كتاب الأمير. وشاهد ذلك أن مكيفلي كتب إلى صديق له في عام ١٥١٣ أي في العام الذي يبدو أنه شرع يكتب فيه هذا الكتاب يقول: "إن فكرة الوحدة الإيطالية فكرة مضحكة. ذلك أنه حتى لو استطاع رؤساء الدولة الإيطالية أن يتفقوا، فإن ليس لدينا من الجنود من لهم شيء من القيمة غير الجنود الأسبان. يضاف إلى هذا أن الشعب لا يمكن أن يتفق في يوم من الأيام مع الزعماء (١٠٦). لكن حدث في ذلك العام نفسه عام ١٥١٣ أن جلس