لقد تحطم كل مثل أعلى بسبب ما طبع الناس من أنانية، ومن الواجب على كل مسيحي صريح أن يقر بأن الكنيسة وهي تدعو إلى المبدأ القائل بأن الإنسان غير ملزم بالمحافظة على عهده مع الزنديق والجري على هذه السنة نفسها (كما حدث حين نكث عهد الأمان مع هوس Auss في كنستانس ومع ألفنسو دوق فيرارا في روما) نقول إن من الواجب على كل مسيحي صريح أن يقر بأن الكنيسة وهي تدعو إلى هذا إنما كانت تعمل بمبادئ مكيفلي عملا يحطم رسالتها بوصفها قوة أخلاقية.
ومع هذا فإن في صراحة مكيفلي قوة حافزة دافعة إلى حد ما. ذلك أنا إذا قرأنا كتابه، واجهنا في وضوح لا مثيل له عند غيره من المؤلفين، ذلك السؤال الذي قلما تعرض له غيره من الفلاسفة: هل سياسة الحكم مقيدة بالمبادئ الأخلاقية؟ وقد نخرج من كتبه بنتيجة واحدة على الأقل: وهي أن الأخلاق الطيبة لا يمكن أن توجد إلا بين أفراد مجتمع مسلح بالوسائل التي نستطيع تعليمها وإلزام الناس باتباعها، وأن المبادئ الأخلاقية التي يجب أن تتبعها الدول جمعاء يجب أن تؤجل حتى تقوم منظمة تضم الدول جمعاء، ويكون لها من القوة المادية وفيها من الرأي العام ما تستطيع بهما المحافظة على القانون الدولي. وإلى أن يحين ذلك الوقت فستظل الأمم كالوحوش في الغاب؛ وأيا كانت المبادئ التي تجهر بها حكوماتها، فإن السنن التي تسيطر عليها هي الواردة في كتاب الأمير:
وإذا ما عدنا بأنظارنا إلى المائتي عام من الثورة الفكرية التي سادت إيطاليا من أيام بترارك إلى مكيفلي؛ تبين لنا أن جوهر هذه الثورة وأساسها لا يعدو أن يكونا نقص الاهتمام بالعالم الآخر، والاهتمام المتزايد بالحياة … فقد ابتهج الناس إذ كشفوا من جديد حضارة وثنية لا يشغل بال الناس فيها الخطيئة الأولى، أو عقاب الجحيم، ترتضي فيها الغرائز الفطرية وتعد عناصر في مجتمع نابض بالحياة خليقة بأن تغتفر. وفي هذه الحضارة فقد