بالكذب والخبث بالعهود وقول الزور؛ ولا يؤنبهم ضميرهم على الفسق والفجور وما هو أسوأ من هذا وذاك. وما أكثر من لا يعترفون منهم بذنوبهم ولو مرة واحدة في العام. وما أقل من يتناولون القربان المقدس … ولا يكادون يفعلون شيئاً يربون به أبنائهم كما يفعل الصالحون المؤمنون. ويستخدمون الرقى والتعاويذ لأنفسهم وحيوانهم، ولكنهم لا يفكرون أبداً في الله ولا في سلامة أرواحهم … أما قساوسة الأبرشيات فلا يعنى منهم أحد بالقطيع الذي يرعونه، بل كان ما يعنون به هو أصواف ذلك القطيع وألبانه، فلا يهدونه بالمواعظ العامة والاعترافات أو بالتحذير الفردي؛ بل يرتكبون نفس الخطايا التي يرتكبها من يرعونهم، ويسيرون سيرتهم الفاسدة (٢) ".
ومن حقنا أن نستدل من حياة رجال أمثال بمبونتسي ومكيفلي، ومن موتهم الطبيعي، على أن شطراُ كبيراُ من الطبقات المتعلمة في إيطاليا عام ١٥٠٠ قد فقد إيمانه بالمسيحية الكاثوليكية؛ ولنا أن نفترض، في حذر أكثر من هذا، أن الدين حتى بين الطبقات غير المتعلمة، قد فقد بعض ما اكن له من سلطان على الحياة الأخلاقية. وكانت نسبة متزايدة من السكان قد نبذت العقيدة القائلة بأن القانون الأخلاقي موحى به من عند الله. وما كاد يبدو للناس أن الوصايا العشر من وضع البشر، وما كادت تجرد مما فيها من نعيم في الجنة وعذاب ي النار، حتى فقد ذلك القانون الأخلاقي ما كان له من رهبة وقوة، فلم يعبأ أحد بالمحرمات، وحل محلها قانون جر المغانم وانتهاب اللذات؛ وضعف شعور الناس بالخطيئة، والرهبة من الجريمة؛ وتحرر ضمير الناس من القيود أو كاد، وأخذ كل إنسان يفعل ما يبدو له ميسراً ولو لم يكن ما اعتاد الناس أن يروه حقاً. ولم يعد الناس يرغبون في أن يكونوا صالحين، بل كان ما يريدونه أن يكونوا أقوياء. ومارس كثيرون من الناس، قبل مكيفلي بزمن طويل، امتيازات القوة، والغش والخداع- أي المبدأ القائل