للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن الغاية تبرر الوسيلة- التي يجيزها ذلك السياسي لحكام الدول. ولعل قانونه الأخلاقي لم يكن إلا صورة تمثلت له بعد أن شهد ما حوله من أخلاق وعادات. وقد عزا بلاتينا Platina لبيوس الثاني قوله إنه "حتى إذا لم يكن الدين المسيحي مؤيداً بالمعجزات، فإن من الواجب مع ذلك أن يتقبل لما فيه من حث على الأخلاق الكريمة" (٣). ولكن الناس لم يكونوا يتبعون هذه الفلسفة في تفكيرهم؛ بل كل ما كانوا يقولونه: إذا لم تكن ثمة نار ولا جنة، فإن من واجبنا أن نمتع أنفسنا على ظهر الأرض، ونترك العنان لشهواتنا، دون أن نخشى عقابا بعد الموت. ولم يكن شيء يستطيع أن يحل محل العقوبات السماوية الضائعة إلا رأي عام قوي مفكر؛ ولكن رجال الدين، والكتاب الإنسانيين، ورجال الجامعات لم يرقوا إلى المستوى الذي يستطيعون معه أداء هذا الواجب.

ذلك أن الكتاب الإنسانيين لم يكونوا أقل فساداً من رجال الدين الذين يوجهون هم لهم سهام النقد. نعم إنه كان من بينهم قلة شاذة من العلماء النابهين الذين يرون الاحتشام والوقار مما يتفق مع التحرر العقلي- أمثال أمبروجيو ترافير سارى Ambrogio Traversari، وفيتوريو دا فيلترى Vitoiro da Feltre ومرسليو فيتشينو Mersilio Vicino، وألدس مانوتيس Aldus Manutius … ولكن أقلية كبيرة من الرجال الذين بعثوا الآداب اليونانية والرومانية كانت تعيش كما يعيش الوثنيون الذين لم يسمعوا قط شيئاً عن المسيحية. وكان تنقل أفرادها سبباً في اقتلاعهم من كل بيئة وجدوا فيها؛ فقد كانوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة، يطلبون في كل منها المجد أو المال، ولا يستقرون في واحدة منها. وكانوا مولعين بالمال ولع المرابي أو زوجته، مزهوين بعبقريتهم، ومكاسبهم، وملامحهم، وثيابهم، غلاظاً وقحين في ألفاضهم، غير كريمين حقيرين في أحاديثهم، غير أوفياء في صداقتهم، متقلبين في حبهم، وهاهو ذا أريستو، كما قلنا من قبل، لم يجرؤ على أن