للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتزوجت به حين بلغت التاسعة عشرة من عمرها (١٥٠٩) وكان الحب الذي ألف بينهما قبل الزواج وبعده قصيدة أجمل من كل الأغاني التي تبادلوها أثناء حروبه. ولما جرح في واقعة رافنا (١٥١٢) وأدناه الجرح من منيته وأسر، انتهز الفراغ الذي أتاحه له أسره فألف كتاب الحب وأهداه إلى زوجته. وكان في هذه الأثناء قد اتصل بإحدى وصيفات إزبلادست (٦٢)، فلما أطلق سراحه عاد مسرعا إلى فتوريا، ثم خرج إلى حرب بعد حرب، حتى لم تكد تراه فيما بعد. فقد قاد جيوش شارل الخامس في بافيا (١٥٢٥)؛ وانتصر بها في معركة حاسمة، ولما عرض عليه تاج بابلي إذا رضي أن ينضم إلى المؤتمرين على الإمبراطور فكر قليلا ثم كشف لشارل عن المؤامرة. ولما حضرته الوفاة (في نوفمبر من عام ١٥٢٥) لم يكن قد رأى زوجته طيلة ثلاث سنين. وجهلت هي أو تجاهلت خياناته الزوجية، فقضت السنين العشرين التي ترملتها بعده في أعمال البر، والتقى، والوفاء لذكراه. ولما طلب إليها أن تتزوج مرة أخرى أجابت بقولها: "إن زوجي فردناند الذي تظنونه مات، لم يمت بالنسبة لي" (٦٣). وعاشت بقية حياتها في عزلة هادئة في إسكيا Ischia ثم أوت إلى دير في أرفيتو وانتقلت منه إلى دير آخر في فيتربو، ثم عاشت شبيهة بعزلة الدير في روما. وهنا اتخذت لها عدداً من الأصدقاء الإيطاليين الذين كانوا يعطفون على حركة الإصلاح الديني وإن ظلت هي مستمسكة بدينها القديم. ووضعت فترة من الزمان تحت رقابة محكمة التفتيش، فكان الذي يجرؤ أن يكون صديقاً لها يتعرض للالتهام بالإلحاد. ولكن ميكل أنجيلو عرض نفسه لهذا الخطر، ونشأت بينه وبينها علاقة حب روحاني لم يتعد قط حدود الشعر.

وحررت نساء النهضة المتعلمات أنفسهن دون أن يقمن بدعاوة ما لهذا التحرر، ولم تكن وسيلتهن إليه غير ذكائهن، وخلقهن، وكياستهن، وبما أرهفن من حواس للرجال بمفاتنهن الجنسية والروحية والعقلية. وقد