تثيرها. ولم يكن شيء ما ينقص هذه القصور غير الأطفال.
ذلك أن تحديد النسل يكثر كلما كثر المال اللازم لإعالة الأطفال، وكانت الكنيسة والكتب المقدسة تأمر بزيادة النسل ومضاعفة عدد الأبناء، ولكن الرغبة في التنعم كانت تشير بالإقلال منهم؛ وحتى في الريف حيث يكون الأطفال مصدر ثراء كانت الأيسر التي بها ستة أبناء نادرة الوجود، وفي المدن حيث يكون الأطفال عبئاً على الآباء كانت الأسر صغيرة العدد- وكلما زاد ثراء الأسرة قل عدد أفرادها- وكثير من الأسر لم يكن فيها أبناء على الإطلاق (٦٤). غير أن الأسر الإيطالية كان في مقدورها أن تنجب أطفالاً ظرفاء كما نتبين ذلك من صور الأطفال التي رسمها الفنانون ومن رسوم دوناتلو ولوكا دلا ربيا Luca della Robbla، والتماثيل المنحوتة كتمثال "القديس يوحنا الشاب" الذي نحته أنطونيو رسيلينو والمحفوظ في المتحف الأهلي بواشنجتن. وإن تضامن الأسرة، والولاء والحب المتبادلين بين الآباء والأطفال ليزيدهما رونقاً وجمالا ما كان سائداً في ذلك الوقت، من انحلال في الأخلاق.
وكانت الأسرة لا تزال وحدة اقتصادية، أخلاقية، جغرافية، إذا عجز أحد أعضائها عن الوفاء بما عليه من دين وفى به سائر الأعضاء، وتلك ظاهرة تخالف ما اتسم به ذلك العصر من نزعة فردية. وقلما كان عضو يتزوج أو يترك البلاد دون موافقة أسرته، وكان الخدم أعضاء في الأسرة أحراراً بمولدهم، صريحين في حديثهم. وكان للوالد على الأبناء سلطان كامل، وأمره مطاع في الأزمات، ولكن الأم كانت هي التي تحكم المنزل في العادة، ولم يكن حب الأم لأبنائها يختلف عند الفقيرات عنه لدى الاميرات، انظر إلى ما كتبته بيتريس دست عن ولدها الصغير إلى أختها إزبلا:"كثيراً ما تمنيت أن تكوني هنا لتشاهديه بعينيك، فلو أنك كنت هنا لما خالجني أقل شك في أنك لن تستطيعي أن تحاجزي نفسك عن تقبيله وتدليله"(٦٥).