في كتابه ديكمرون Decameron، وكان الأثرياء يحتفظون في بيوتهم بطائفة من الآلات الموسيقية المختلفة الأنواع، وكانوا ينظمون فيها حفلات موسيقية خاصة. أما النساء فكن ينشئن النوادي لدراسة الموسيقى ولممارستها، وقصارى القول أن إيطاليا كانت- ولا تزال- تجن جنوناً بالموسيقى.
وازدهرت الأغاني الشعبية في كل وقت من الأوقات، ومن هذا المعين الذي لا ينضب كانت الموسيقى العلمية تستمد من آن إلى آن ما ينعشها ويبعث الحياة فيها. فكانت النغمات الشعبية تكيف حتى تتفق مع القصائد الغزلية المعقدة، ومع الترانيم، وحتى مع القطع الموسيقية التي تعزف في الكنائس في ساعات القداس. وفي "فلورنس"، كما يقول تشيليني، "كان من عادة الأهلين أن يلتقوا في الشوارع العامة في ليالي الصيف" ليغنوا ويرقصوا (١٠٠). وكان مغنو الشوارع أو الميادين- Cantori di Piazza- يوقعون ألحانهم الحزينة أو المرحة على أعواد جميلة، كما كان السكان يجتمعون ليغنوا أناشيد المديح للعذراء عند أضرحتها المقامة في الشوارع أو على جوانب الطرق؛ وفي مدينة البندقية كانت أغاني العُرس تصعد إلى قمر السماء من مئات قوارب النزهة، أو ترتفع من حناجر العشاق الذين يتغزلون في حبيباتهم في ظلمات الليل على ضفاف القنوات الملتوية. ويكاد كل إيطالي في ذلك الوقت يستطيع الغناء، كما يكاد كل إيطالي يستطيع التغني بعبارات بسيطة متوافقة. وقد وصلتنا مئات من هذه الأغاني الشعبية المسماة بذلك الاسم الجميل فروتولى Frottole أي الفاكهة الصغيرة؛ وهي في العادة قصيدة غزلية، أهم أصواتها السبران (أعلى الاصوات) وإلى جانبه العران، والرخيم، والصور (١). وبينما كان الصوت الرخيم في القرون الحالية هو المسيطر على النغم ولذلك وصف به، فقد أصبحت للسبران- أعلى الأصوات- السيطرة عليه في القرن الخامس عشر، وقد سمي بهذا