للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكومته أقوى حكومة كان يعرفها العالم عندئذ؛ حتى إنه لما جاء المجسطي سفيراً في "باتاليبوترا" عن "سلوكس نكتار" ملك سوريا، أدهشه أن يرى هناك مدنية وصفها اليونان المدققين المتشككين الذي كانوا عندئذ لم يزالوا في موضع قريب من أوج حضارتهم، فقال إنها مدنية مساوية للمدنية اليونانية مساواة تامة (٣).

وصف لنا هذا الإغريقي الحياة الهندية في عصره وصفاً ممتعاً، ربما مال فيه نحو التهاون في الدقة ليكون في صالح الهنود؛ وأول ما استوقف نظره هناك هو ألاّ ِرَّق في الهند (١) على خلاف ما عهده في أمته، وهو اختلاف يجعل الأولى أعلى من الثانية منزلة في هذه الناحية، وإنه على الرغم من انقسام السكان إلى طبقات حسب ما يؤدونه من أعمال، فقد قبل الناس هذه الأقسام على أنها طبيعة ومقبولة؛ يقول السفير عنهم في تقريره أنهم كانوا "يعيشون عيشاً سعيداً" لأنهم:

"في سلوكهم يتصفون بالبساطة، وهم كذلك مقتصدون فهم لا يشربون الخمر قط إلا في الاحتفال بتقديم القرابين … والدليل على بساطة قوانينهم ومواثيقهم هو أنهم قلما يلجئون إلي القانون؛ فهم لا يتقدمون إلى محاكمهم بقضايا عن خرق العهود أو نهب الودائع، بل هم لا يحتاجون إلى أختام أو شهود، لكنهم يودعون أشياءهم على ثقة بعضهم ببعض … إنهم يقدرون الحق والفضيلة قدراً عظيماً … والجزء الأعظم من أرضهم يزرع بالري، ولذلك ينتج محصولين في العام … ولهذا كان من الثابت أن الهند لم تعرف المجاعة قط، ولم يكن بها قحط عام في موارد الطعام اللازم للتغذية" (٥).

وأقدم المدائن الألفين التي كانت في الهند الشمالية في عهد "تشاندرا جوبتا" هي مدينة "تاكسيلا" التي تبعد عشرين ميلاً- جهة الشمال الغربي- عن


(١) يقول "أريان": "هذا شيء عظيم في الهند، أعني أن يكون سكانها جميعاً أحراراً، ليس بينهم هندي واحد من الرقيق".