للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدينة "روالبندي" الحديثة؛ ويصفها "أريان" بأنها: "مدينة عظيمة مزدهرة"؛ ويقول "سترابو": "إنها كبيرة وبها أرقى القوانين"، فقد كانت مدينة عسكرية ومدينة جامعية في آن معاً، إذ تقع من الوجهة العسكرية على الطريق الرئيسية المؤدية إلى آسيا الغربية، وكان بها أشهر الجامعات الكثيرة التي كانت في الهند إذ ذاك، فكان يحج إليها الطلاب زرافات، كما كانوا يحجون زرافات إلى باريس في العصور الوسطى؛ ففي وسع الطلاب أن يدرسوا بها ما شاءوا من فنون وعلوم على أيدي أساتذة أعلام، وخصوصاً مدرستها للطب، فقد ذاع اسمها في العالم الشرقي كله مقروناً بالتقدير العظيم (١).

ويصف المجسطى مدينة "باتاليبوترا" عاصمة الملك "تشاندرا جوبتا" فيقول أنها تسعة أميال في طولها وميلان تقريباً في عرضها (١٠) وكان القصر الملكي بها من خشب، لكن السفير الإغريقي وضعه في منزلة أعلى من منزلة المساكن الملكية في "سوزا" و "إكياتانا" ولا يفوقه إلا قصور "برسوبوليس" (أي مدينة الفرس)؛ فأعمدته مطلية بالذهب ومزخرفة بنقوش من حياة الطير ومن ورق الشجر، وهو من الداخل مؤثث تأثيثاً فاخراً ومزدان بالأحجار الكريمة والمعادن النفسية (١١)؛ وقد كان في هذه الثقافة قسط من حب الشرقيين للتظاهر، فمثلاً ترى ذلك واضحاً في استخدامهم لآنية من الذهب قطر الواحدة منها ست أقدام (١٢)؛ لكن مؤرخاً إنجليزياً يبحث الآثار المادية والأدبية والتصويرية لتلك المدينة فيصل إلى نتيجة، هي أنه "في القرنين الرابع والثالث قبل المسيح لم يكن ما يتمتع به ملك موريا من أسباب الترف بكل


(١) كشفت حفريات سير جون مارشال في "تاكسيلا" عن أحجار منحوته نحتاًً دقيقاًً، وعن تماثيل مصقولة صقلاًً بلغ الغاية، وعن نقود ترجع إلى سنة ٦٠٠ ق. م. وعن مصنوعات زجاجية دقيقة الصناعة لم تفقها أية صناعة من نوعها في الهند بعدئذ (٨)؛ ويقول فنست سمث: "إنه من الواضح أنهم بلغوا من الحضارة حداً بعيداً، وأن كل الفنون والصناعات التي تصاحب حياة مدنية غنية مثقفة، كانت معروفة لهم".