جمع حوله قلوب العلماء والنساخين باجتذابهم إلى خدمته، أو نفحهم بالهبات، ووزع العدالة بين الناس بالقسطاس المستقيم، واستمع إلى كل من له شكاية، ومنح الصدقات بسخاء، إذا كان أقل من سخاء ليو فإنه كان أكثر منه حكمة، وسحر جميع القلوب بمجاملته كل إنسان وكل طبقة. وقصارى القول أن بابا من البابوات لم يبدأ حكمه بداية طيبة مثل بدايته ولم يختتمه بأسوأ من خاتمته.
وكان العمل الذي يواجه كلمنت وهو قيادة سفينة البابوية السياسية، الطريق المأمون بين فرانسس وشارل في حرب تكاد تكون حرب حياة أو موت، في الوقت الذي كان الأتراك يجتاحون فيه بلاد المجر، وكانت الثورة تشتعل نارها في ثلث أوربا ضد الكنيسة، كان هذا العمل أكثر مما تستطيعه مقدرة كلمنت كما كان أكثر مما تستطيعه مقدرة ليو. وخليق بنا أن نقول إن الصفات التي تبرزها الصورة الفخمة التي رسمها سبستيانو دل بيومبو لكلمنت في بداية حكمه صورة خادعة. ذلك أنه لم يظهر في أعماله تلك العزيمة الماضية التي تبدو واضحة في ملامح وجهه، وحتى في هذه الصورة يبدو شيء من الملل والضعف في الجفون المتعبة المنسدلة فوق العينين الضجرتين. والحق أن كلمنت قد اتخذ ضعف العزيمة خطة له وسياسة مرسومة. وكان يسرف في التفكير ويظنه خطأ بديلا من العمل، بدل أن يكون هادياً له ومرشداً. ولقد كان في وسعه أن يجد مائة سبب وسبب لاتخاذ قرار بإبرام أمر من الأمور، ومائة سبب وسبب مثلها تبرر عدم إبرامه، وكأنما أغبى المخلوقات طُراً يجلس على عرش البابوية. وقد هجاه بيرني في أبيات مريرة تتنبأ بحكم الحلف عليه فقال:
بابوية تتألف من التحيات،
والمناقشات، والاعتبارات، والمجاملات
ومن عبارات أكثر من هذا، ومن ثم، ونعم، وحسن، وربما،