أطلق عليهما اسما الشفق والفجر. وهذه التسميات مجرد فروض ولعل للخيال فيها أكبر نصيب. وأغلب الظن أن هدف المثال هو أن ينحت مرة أخرى معبوده الخفي، أعني الجسم البشري، بكل ما فيه من روعة قوة الرجولة، والمحيط الخارجي الجميل لجسم المرأة بأكمله. ولقد كان نجاحه في تصوير جسم الرجل أعظم من نجاحه في تصوير جسم المرأة كما هي العادة، وإن صورة الشفق الناقصة التي تسلم اليوم النشيط المضني إلى الليل على مهل، لنضارع أنبل صور الآلهة في البانثيون.
وقامت الحرب فعطلت أعمال الفن إلى حين. ولما سقطت روما في أيدي الجيوش الإمبراطورية (١٥٢٧)، لم يعد في وسع كلمنت أن يناصر الفنون، وانقطع معاش ميكل أنجيلو الذي كان يتقاضاه من البابا ومقداره خمسون كروناً (٦٢٥ دولاراً) في الشهر واستمتعت فلورنس في هذه الايام بعامين من الحرية في ظل الحكم الجمهوري. ولما أن تصالح كلمنت مع شارل، وأرسل جيش ألماني- أسباني للقضاء على الجمهورية وإعادة آل ميديتشي إلى الحكم، عينت فلورنس أنجيلو (٦ أبريل ستة ١٥٢٩) عضواً في لجنة العشرة للدفاع عن المدينة، وبذلك أصبح فنان الميديتشيين بحكم الظروف مهندساً يعمل ضد الميديتشيين، وشرع يشتغل كالمحموم في تخطيط الحصون والأسوار وتشييدها.
وبينما كانت هذه الأعمال قائمة على قدم وساق كان ميكل أنجيلو يزداد كل يوم اقتناعاً بأن المدينة لا يمكن الدفاع عنها دفاعاً ناجحاً. وهل تستطيع مدينة بمفردها منقسمة على نفسها في روحها وفي ولائها، أن تقاوم مدفعية الإمبراطورية والحرمان الديني البابوي مجتمعين؟ ومن أجل هذا حدث في الحادي والعشرين من سبتمبر سنة ١٥٢٩، أثناء حالة عارضة من الذعر، أن فر الفنان من المدينة، وهو يأمل أن يهرب منها إلى فرنسا ويلجأ إلى مليكها الظريف الوديع. ولما وجد طريقه مسدوداً بأرض يحتلها الألمان