وجد نفسه يصطدم بمئات المحن، ويعوق كل مشروع من مشروعاته تقريباً صلابة المادة التي يعمل بها وإباؤها عليه، وكلال قوته وضيق وقته. ولم يكن أنجيلو قد استمتع إلا بالقليل من مباهج الحياة، ولم يكن له أصدقاء لهم ماله من عقلية، أما النساء في رأيه أجساماً ناعمة تهدد السلام، وحتى أعظم انتصاراته كانت نتيجة الكد المنهك والألم، وائتلاف التفكير المحزن والهزيمة التي لا مفر منها.
ولما سقطت فلورنس في أيدي أسوأ المستبدين بها، وساد الرعب حيث كان لورندسو يحكم حكماً موفقاً سعيداً، أحس الفنان، الذي كان قد نحت في رخام أضرحة آل ميديتشي نقداً للحياة لا مجرد نظرية في الحكم، إن هذه الأشكال المكتئبة الحزينة تعبر، فيما تعبر عنه، عن المجد الغابر للمدينة التي كانت مهد النهضة. ولما رفع الستار عن تمثال الليل كتب الشاعر جيان باتستا استروتسي رباعية تعرض موضوعه عرضاً أدبياً قال فيها ما معناه:
إن الليلة التي تراها واقفة في رشاقة
يأخذ الكرى بمعاقد أجفانها، قد صاغها مَلَك
من الحجر الصلد، وسنانة، تسري فيها الحياة،
فأيقظها أيها المخلوق الذي لا تصدق' فإنها ستتحدث إليك.
وقد غفر ميكل للكاتب ما في العبارة من تورية (١) هي في الوقت عينه تمجيد له، ولكنه لم يرض عن تفسير الكاتب لخصائص التمثال، وكتب هو تفسيراً لها في أربعة أسطر هي أكثر ما في شعره وضوحاً وإبانة عن مقصده قال:
ما أحَبَّ نومي، ولكن يزيده محبة أن يكون مجرد حجر
مادام الخراب والقدر سائدين.
إن أشد ما يؤلمني ألا أرى شيئاً وألا أشعر بشيء،
إذن فلا توقظني، وتحدث في همس (٦٢)
(١) يقصد بالتورية عجز اسم ميكل أنجيلو وكلمة Angel أي مَلَك.