للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمارة؛ وكان يحفظ رسالة فتروفيوس عن ظهر قلب، وقد حاول في كتابه هو أن يرد إلى مباني النهضة جميع تلك المبادئ التي قام عليها، في رأيه، مجد روما القديمة. وقد خيل إليه أن أجمل المباني هي التي تبتعد عن جميع الزخارف التي لا تنبت بنفسها من طراز الإنشاء نفسه، والتي تستمسك بأدق النسب والصلات، وبتطابُق الأجزاء ومواءمتها بحيث يتكون منها كل عضو يسمو عظيماً قوياً طاهراً طهارة العذراء العفيفة، مهيباً كالإمبراطور العظيم.

وكان أول أعماله الكبيرة أحسنها على الإطلاق، وهو من أبرز المنشآت غير الدينية في إيطاليا. ذلك أنه أقام حول قاعة البلدية Palazzo della Ragione في موطنه فيتشندسا Vicenza في عام ١٥٤٩ وما بعدها أروقة مقنطرة فخمة قوية حول بها مركز البناء القوطي الذي لا يمتاز بشيء عما حوله إلى باسلقا بلاديانا لا تكاد تقل شأناً عن باسلقا لوليا التي كانت قائمة في الزمن القديم في السوق الرومانية: فهي مؤلفة من صف من الأقواس تعتمد على عمد دورية (١) أسطوانية ومربوعة، وعارضات لها قوية ضخمة، وسياج وشرفة منحوتة نحتاً رشيقاً، ثم صف آخر من العقود فوق عمد أيونية الطراز، وأطناف وسياج، وفوق كل بندريل تمثال عال يطل على المدينة ويكسبها عظمة وفخامة. وقد كتب هو نفسه عنها في كتابه بعد واحد وعشرين عاماً من بنائها يقول: "لا شك عندي في أن هذا الصرح لا يقل جلالاً عن الصروح القديمة، وأنه يمكن أن يعد من أروع وأجمل ما شيد من العمائر منذ أيام الأقدمين" (٤). ولو أنه قصر هذا التحدي على المباني غير الدينية لما كان عليه في تثريب.

وأصبح بلاديو بعدئذ بطل فيتشندسا التي أحست بأنه قد تفوق على سانسو فينو، وأن هذا الصرح أعظم من بناء دار الكتب. وألح عليه أثرياء


(١) أي من الطراز الدوري ( Doric) . ( المترجم)