المدينة يطلبون أن يقوم لهم ببناء القصور والبيوت الريفية؛ كما ألح عليه رجال الدين ليشيد الكنائس؛ وكانت النتيجة ذلك أنه كاد يجعل المدينة قبل وفاته عام ١٥٨٠ قطعة من روما. وكان مما شاده فيها شرفة مكشوفة تدار منها شؤون المدينة، ومتحف جميل، ودار تمثيل أطلق عليها اسم Teatro Olimpico. واستدعته البندقية وفيها خطط كنيستين من أجمل كنائسها هما كنيستا سان جيورجيو مجيوري، وريدينتوري Redentore، وأصبح حتى قبل وفاته ذا أثر قوي في إيطاليا. ونقل إنيجو جونز Inigo Jones في أوائل القرن السابع عشر الطراز البلاديوني إلى إنجلترا، وانتشر بعدئذ في أوربا الغربية ثم انتقل إلى أمريكا.
وربما كان انتشار هذا الطراز من سوء حظ فن العمارة. ذلك أنه لم يبلغ قط ما بلغه فن العمارة الرومانية من روعة ومهابة، فقد أربك واجهات مبانيه بما ملأها به من العمد، والتيجان، والطنوف، والصور، والتماثيل، فكانت هذه التفاصيل مما يزري بما في الصروح الرومانية الطراز من بساطة في الخطوط ووضوح في المنظر العام. ولقد نسي بلاديو وهو يعود متواضعاً إلى الطراز القديم أن الفن الحي يجب أن يعبر عن العصر الذي يعيش فيه ومزاجه، لا عن عصر آخر ومزاج آخر. ومن أجل هذا فإننا حين نفكر في عصر النهضة، لا ترتسم في عقولنا مبانيه، بل ولا تماثيله نفسها، وإنما ترتسم فيها صوره التي لا يتمثل فيها إلا القليل من تقاليد الإسكندرية وروما، التي حررت نفسها من القوالب البيزنطية المزدحمة الغير طبيعية، فكانت بذلك صوت ذلك العصر ولونه بحق.