وكان يرتدي لباساً ظريفاً رشيقاً، ويسكن بيتاً مريحاً ذا حديقة واسعة تطل على مياه البندقية الضحلة. وإنا لنتصوره ونحن نكتب هذه السطور يستضيف الشعراء والفنانين، والأشراف أبناء الأسر العريقة، والكرادلة، والملوك. ولما ماتت في عام ١٥٣٠ عشيقته التي تزوجها في عام ١٥٢٥ بعد أن ولدت له ولدين قبل الزواج؛ عاد إلى حريته التي كانت له وهو أعزب والتي استمتع بها ما يقرب من نصف قرن. وكانت ابنته لافينيا مصدر بهجة وفخر له؛ وقد رسم لها صوراً تدل على محبته لها حتى بعد أن كبرت وتزوجت. ولكنها هي أيضاً توفيت بعد سنين قلائل من زواجها. وأصبح أحد ولديه وهو بمبونيو Pomponio مهملاً فاسداً، أحزن قلب الرجل في شيخوخته ورسم الثاني في بعض الصور التي ضاعت، وأكبر الظن أنه اشترك في بعض الصور التي تعزى لأبيه في سنيه الأخيرة. وربما ساعده في ذلك الوقت أيضاً تلميذ آخر من تلاميذ تيشيان يدعى دومينيكو ثيوتوكوبولوس Domenico Theotocopulos، المسمى إلجريكو Elgireco ( الإغريقي) ولكننا لانجد دليلاً على هذه المساعدة في صور أشخاص تيشيان المرحين ولا في مناظره البهيجة.
وظل حتى بعد أن تقدمت به السن كثيراً لا يكاد ينقطع عن الرسم يوماً واحداً من أيامه، وكان يجد في الفن سعادته الباقية الوحيدة. ففيه كان يعرف أنه السيد الذي لا يبارى، وأن العالم كله يثني عليه، وأن يده لم تفقد قدرتها على الإبداع، كما أن عينه لم تفقد حدتها ونفاذها؛ وحتى عقله، وخياله ظلا، فيما يبدو، يحتفظان بقوتهما إلى آخر أيامه. وقد شكا بعض من ابتاعوا صوره الأخيرة بأن هذه الصور أرسلت إليهم من قبل أن تتم. وحتى إذا كان هذا صحيحاً فإنها كانت معجزات بحق. وأكبر الظن أنه ما من فنان غيره- إذا استثنينا رافائيل- كان له ما لتيشيان من يسر في أصول فنه، وسيطرة على اللون والتركيب، والضوء الساحر المبرقش. أما أخطاؤه