للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البدءات أن هذا التلميذ سيصبح رجلاً عظيماً، وأنه سيسبب له بعض المتاعب من ناحية الفن، فلم يكد يصعد الدرج إلى حجرته ويخلع ميدعته حتى أمر كبير تلاميذه جيرولامو دانتي، وهو نافض الصبر، أن يمنع ياقوبو من دخول البيت من تلك اللحظة. وهكذا تحدث الغيرة، مهما تكن ضئيلة، أثرها في القلوب البشرية (٢٥).

ونحن نميل إلى تكذيب هذه القصة، ولكن أريتينو صديق تيشيان الحميم، يشير إلى هذه الحادثة في رسالة له كتبها عام ١٥٤٩. فأما فصل ياقوبو من عمله فحقيقة مؤكدة، أما أسباب هذا الفصل فموضع للأخذ والرد؛ ذلك أن من أصعب الأمور أن نعتقد أن تيشيان، الذي كان وقتئذ مصوراً للملوك حين لم يكن ياقوبو إلا صبياً في الثانية عشرة من عمره، يغار من هذا المنافس المفترض، أو أنه يستطيع أن يرى مستقبل نتورتو من اطلاعه على رسوم طالب قبل تواً في مدرسته. ولعل الرسوم قد أغضبت تيشيان لما بدا فيها من إهمال لا بما كانت عليه من الجودة والإتقان، ولقد بقي الإهمال. الرسم من عيوب نتورتو كثيراً من السنين. وظل ياقوبو نفسه طوال حياته يعجب بتيشيان أشد الإعجاب، ويعتز بصورة أهداها إليه تيشيان، ويضع على جدار مرسمه ما يذكره على الدوام بما كان يطمح إلى أن يبلغه برسومه مبلغ "ميكل أنجيلو في التصميم وتيشيان في التلوين" (٢٦).

ويقول تيشيان، وتقول الرواية المتواترة، إن ياقوبو لم يتلق تعليماً منظماً بعد أن افترق عن تيشيان، ولكنه علم نفسه بمداومته على التجربة والتقليد. وكان يشرح الأجسام ليتعلم التشريح، ولا يكاد يفتر هن ملاحظة كل ما يعترض سبيله في تجاربه بحرص يبلغ حد الشراهة والنهم، ويصمم على ألا تفوته منه كبيرة أو صغيرة في هذا الرسم من رسومه أو ذاك. وكان يصنع نماذج من الشمع، أو الخشب، أو الورق المقوى، ويلبسها