الأثواب، ويرسمها من كل زاوية كي يجد طريقة يستطيع بها أن يصور أبعاداً ثلاثة في بعدين اثنين. وكانت تصنع له صور منقولة عن اللوحات الرخامية القديمة في فلورنس وروما وعن تماثيل ميكل أنجيلو وترسل له حيث يقيم؛ وكان يضع هذه النسخ في مرسمه، وينقل عنها صوراً ملونة ذات ظلال وأضواء مختلفة. وقد افتتن بما شاهد من الاختلاف الناشئ في مظهر الأشياء نتيجة لتغير كمية الضوء، وطبيعته، وطريقة سقوطه؛ ورسم مائة صورة وصورة في ضوء المصابيح أو الشموع؛ وأسرف في حبه للخلفيات القائمة، والظلال الثقيلة، وأصبح أخصائياً خبيراً في تمثيل أثر الضوء والظل على اليدين، والوجه، والثياب، والمباني، والمناظر الطبيعية، والسحب، ولم يترك وسيلة يستعين بها في كفاحه للتفوق والامتياز إلا سلكها.
غير أنه مع ذلك كان متسرعاً في عمله نافذ الصبر، ينقصه الصقل- ولعل هذا كان جزاء له على أنه علم نفسه بنفسه- وتلك عيوب أخرت اعتراف الجمهور بفنه. وقد ظل كثيراً من السنين، بعد أن بلغ دور الرجولة، يتحين الفرص ويسعى إليها. وكان يرسم الأثاث. وينشئ المظلمات في واجهات البيوت، ويرجو البنائين أن يحصوا له على أعمال بأجور قليلة، ويحاول أن يبيع صوره بعرضها في ميدان القديس مرقص (٢٧). لكن الناس كلهم كانوا يريدون تيشيان؛ وكان تيشيان وأريتينو يعملان على ألا يعامل أي إنسان ذي مال يمكن الحصول عليه منه غير تيشيان، فإذا كان هذا الفنان مشغولا فلن يلجأ واحد منهم إلى غير بنيفادسيو فيرونيري Bonifazio Veronese. وما من شك في أن ياقوبو قد ساءته طريقة أريتينو في التصوير؛ ولكن حدث انه حين جاء الجلاد الكبير إلى ياقوبو ليصوره، أخرج الفنان مسدساً رهيباً من جيبه، وتظاهر بأنه يصوبه على كل جزء من جسم أريتينو الضخم، وسر أيما سرور مما شاهده من مظاهر الخوف على