قوته وتنوع صوره إلا في نطاق المدينة التي ولد فيها. وقد عرض عليه دوق مانتوا منصباً في بلاطه، ولكنه رفضه؛ ذلك أنه لم يكن سعيداً إلا في مرسمه، حيث لم يكن ينقطع عن العمل لا ليلا ولا نهارا، وكان زوجا وأبا طيبا، ولكنه لم يكن يعني أقل عناية بالمتع الاجتماعية. وكاد يبلغ في عزلته، واستقلاله، ونكده، واكتئابه، وتوتر أعصابه، وعنفه، وكبريائه، كاد يبلغ في هذا كله مبلغ ميكل أنجيلو الذي ظل طول حياته يعبده، ويحاول أن يتفوق عليه. ولسنا نجده عنده السلام لا في روحه ولا في أعماله، وكان كميكل أنجيلو يعظم قوة الجسم، والعقل، والروح، أكثر مما يعظم الجمال الظاهر، ولهذا نرى صور العذراء التي رسمها منفرة كصورة عذراء دوني Doni. وقد ترك لنا صورة له (توجد الآن في متحف اللوفر)، رسمها وهو في الثانية والعشرين من عمره. ولا نكاد نرى فيها فرقاً بين رأسه ووجهه وبين وجه أنجيلو ووجهه نفسه. -فالوجه قوي مكتئب، عميق مندهش حائر، ترتسم عليه علامات مائة عاصفة.
والصور التي رسمها لنفسه خير صوره جميعاً، ولكنه رسم صوراً أخرى تشهد بعميق نظراته النافذة ووحدة فنه. ذلك أنه في هذه الناحية أيضا ظل واقعياً، لا يجرؤ امرؤ على أن يجلس أمامه ليصوره إذا كان يرجو أن يخدع الخلف. وكم من عظيم من أهل البندقية قد انتقل إلينا من خلال القرون بفضل فرشاة نتورتو: أدواج، وأعضاء في مجلس الشيوخ، ووكلاء دعاو؛ وثلاثة من مديري دار سك النقود، وستة من أصحاب بيت المال؛ وخير من هؤلاء كلهم في هذه المجموعة صورة ياقوبو سوراندسو- وهي من أعظم الصور التي أخرجها فن البندقية. ومن هذه الصور أيضاً صورة سان سوفينو المهندس المعماري وكرنارو Cornaro المعمر. ولتنتورتو صور لا يفوقها إلا صورة السوراندسو Soranzo ولا يعرف من تمثله وهي صورة الرجل لابس الزرد