ولم يكن بد من أن يطلب إلى باولو أن يرسم صورة النساء العرايا في وسط هذا الجمع الحاشد من مناظر الحب. على أن العرى لم يكن الميدان الذي يبرز فيه؛ فقد كان يفضل عليه الأثواب الثمينة الملساء الناعمة تغطي أجساماً شبيهة بالأجسام التي يصورها روبنز، تعلوها وجوه ذات جمال عادي يميزها عن غيرها من الوجوه، ويتوجها شعر ذهبي مسدل مسرح. ويرى الإنسان في صورة المريخ وفينوس المحفوظة في متحف متروبوليتان الفني إلهة بدينة قبيحة المنظر، ذات ساق لا شكل لها مصابة بداء الاستسقاء. لكن فينوس تبدو جميلة في صورة فينوس وأدونيس الموجودة في برادو لا يفوقها في هذه الصورة إلا شكل الكلب الرابض عند قدميها. وأجمل ما في صور فيرونيزي الأسطورية صورة اختطاف أوربا (١) الموجودة في قصر الأدواج! وتمثل هذه الصورة منظراً ذا أشجار قائمة، والثور المجنح يلقى بالأكاليل وأوربا (الأميرة الفينيقية) جالسة وهي مبتهجة فوق ظهر الثور العاشق، الذي يلعق إحدى قدميها الجميلتين، وتستبين أنه هو بعينه جوبتر متخف بزي جديد. وقد أظهر هذا الفنان الذي صور مناظر في السماء ذوقاً لطيفاً في تصوير مناظر الآلهة. ذلك أنه صور أوربا وعلى نصف جسمها ثياب ملكية، وقد أحرز فيرونيزي في هذه الصور أتم نجاح في رسم أجسام النساء، وبلغ بها حد الكمال في هذا التركيب فجعلها خليقة بأن يترك زيوس من أجلها مقامه في السماء. وتروي خلفية الصورة البعيدة بقية القصة، فتظهر الثور يحمل أوربا فوق مياه البحر إلى كريت، ومن هنا أعطت اسمها للقارة الأوربية- كما تقول القصة اللطيفة.
وسار باولو نفسه على مهل قبل أن يستسلم لتصوير النساء. فقد ظل
(١) أوربا في الأساطير اليونانية أميرة فينيقية اختطفها زيوس بعد أن تخفى في صورة ثور أبيض، وسبح بها في البحر إلى جزيرة كريت حيث أضحت أم مينوس، ورها دامانثوس، روسار بيدون. (المترجم)