الصورة بما أراه أنا صالحاً، وإنها كانت كبيرة تتسع لشخوص كثيرة … وإذا ما وجدت في صورة ما مكاناً خالياً يحتاج إلى ما يملؤه، وضعت فيه من الأشكال ما يوحي به خيالي"- ليتوازن به تأليف الصورة من جهة، وتستمتع به عين الشاهد استمتاعاً لا ريب فيه من جهة أخرى. وأمرته محكمة التفتيش أن يصلح الصورة على نفقته الخاصة، ففعل (٣٧)، وكانت هذه المحاكمة بداية انتقال فن البندقية من عهد النهضة إلى عهد حركة الإصلاح المضادة.
ولم يكن لفيرونيزي تلاميذ ممتازون، ولكن تأثيره تخطى عدة أجيال ليسهم في صياغة الفن في إيطاليا، وفلاندرز، وفرنسا، تيبولو Tiepolo بميوله الزخرفية بعد فترة بينهما خلت من هذا التأثير، ودرسه روبنز بعناية؛ وتعلم أسرار ألوانه، وضخم نساء فيرونيزي البدن يوائم بينهن وبين ما يتسم به الفلمنكيون من سعة ورحابة. كذلك وجد فيه نقولاس بوسَّن Nicolas Poussin وكلود لورن Claude Lorrain من يرشدهما لاستخدام الزخارف المعمارية، في مناظرهم الطبيعية، وسار شارل ليرون Charles Lebrun على سنن فيرونيزي في تصميم الصور الجدارية الكبرى. وكان المصورون الفرنسيون في القرن الثامن عشر يستمدون الوحي من فيرونيزي وكريجيو في أناشيد الرعاة أيام الأعياد الريفية، وأناشيد العشاق الأشراف الذين يلعبون في أركاديا. ومن هنا نشأ واتو Watteau وفراجونار Fragonard؛ ومن هنا أيضاً نشأت العرايا ذوات اللون الوردي اللائى صورهن بوشيه Boucher، والأطفال الظراف الذين تصورهم جريز Grueze، والنساء الرشيقات اللاتي أبدع تصويرهن. ولعل تيرنر Turner قد وجد هنا شيئاً من شروق الشمس الذي أضاء به لندن.
وهكذا اختتم العصر الذهبي للبندقية ملكة البحر الأدرياوي بما امتازت به صور فيرونيز من توهج الألوان. وكان سبب هذا الختام أن الفن كان