للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنقلها فوق الجبال إلى إيطاليا، وأضحت ألمانيا مستقلة تجاريا عن إيطاليا، وهكذا كان اتجاه التجارة نحو الشمال والقوة الجاذبة نحو الشمال سبباً في انتزاع ألمانيا من المحيط التجاري والديني الإيطالي، واكتسابها القوة والإرادة اللتين أمكنها بهما أن تقف على قدميها بمفردها.

وكان لكشف أمريكا آثار في إيطاليا أطول مدى مما كان لطريق الهند الجديد. فقد أخذت أمم البحر المتوسط تضمحل بعد هذا الكشف وتترك راكدة في سير الركب الآدمي وانتقال التجارة؛ وبرزت أمم المحيط الأطلنطي إلى مكان الصدارة، بعد أن اغتنت من تجارة أمريكا وذهبها. وأحدث هذا انقلاباً في الطرق التجارية أعظم من أي انقلاب آخر سجله التاريخ منذ فتحت بلاد اليونان القديمة لسفنها طريق البحر الأسود إلى أواسط آسيا بعد انتصارها على طروادة. ولم يضارع هذا الانقلاب ويفقه فيما بعد إلا ما حدث من انقلاب في الطرق التجارية على أثر استخدام الطائرات في النصف الثاني من القرن الحالي.

وكان العامل الأخير في اضمحلال النهضة هو حركة الإصلاح المضادة. فقد أضافت هذه الحركة إلى اضطراب أحوال إيطاليا السياسية وانحلالها الخلقي، وإلى خضوعها لسلطان الأمم الأجنبية وما حل بها من الخراب على أيدي هذه الأمم، وإلى تحول التجارة منها إلى أمم المحيط الأطلنطي، وإلى ما خسرته من الموارد بسبب حركة الإصلاح الديني، نقول إن هذه الحركة أضافت إلى هذا كله تبدلا قوياً. ولكنه تبدل طبيعي في أحوال الكنيسة وفي مسلكها. ذلك أن حركة الإصلاح الديني الألمانية، وانفصال إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية، وزعامة أسبانيا في القارة الأوربية، قد قضت على "اتفاق السادة المهذبين" الذي لم تصغ نصوصه أو تدون، والذي لم يدركه فيما نظن العاملون به، وهو اتفاق كانت الكنيسة بمقتضاه، في أثناء ثرائها واطمئنانها على سلطانها، تسمح بقسط كبير من حرية التفكير للطبقات