والشرق الأقصى عنها في الطريق المتعب فوق جبال الألب إلى جنوى أو البندقية، ومن ثم إلى الإسكندرية، ثم بطريق البر إلى البحر الأحمر، ثم بالبحر مرة أخرى إلى الهند. يضاف إلى هذا أن سيطرة الأتراك على هذا الطريق الثاني قد جعلته غير مأمون، ومعرضاً لأن تفرض على من يتبعونه الضرائب والرسوم الفادحة، كما كان معرضاً لهجمات القراصنة، وللحروب، وينطبق هذا بعينه وبدرجة أكبر على الطريق المار بالقسطنطينية والبحر الأسود. وكانت نتيجة هذا التحول أن اضمحلت تجارة البندقية وجنوى وحال فلورنس المالية بعد عام ١٤٩٨، ولم يحل عام ١٥٠٣ حتى كان البرتغاليون يبتاعون من فلفل الهند قدراً لم يجد معه التجار البنادقة والمصريون من هذه السلعة ما يستطيعون إصداره (١). وكانت نتيجة ذلك أن صعد ثمن الفليفل بمقدار ثلث ثمنه الأصلي في سوق البندقية التجارية، على حين أنه كان يباع في لشبونة بنصف الثمن الذي يطلبه التجار في البندقية! ولهذا شرع التجار الألمان يهجرون متاجرهم على ضفة القناة الكبرى، وينقلون مشترياتهم إلى البرتغال. وكاد الحكام البنادقة يحلون هذه المشكلة في عام ١٥٠٤ حين عرضوا على حكومة الممالك القائمة وقتئذ في مصر الاشتراك معها في مشروع يهدف إلى إعادة القناة القديم بين دال النيل والبحر الأحمر، ولكن استيلاء الأتراك على مصر في عام ١٥١٧ قضى على هذا المشروع.
وفي ذلك العام نفسه علق لوثر مقالاته الثورية على باب كنيسة وتنبرج، وكان الإصلاح الديني سبباً ونتيجة من أسباب اضمحلال إيطاليا الاقتصادي ونتائجه. أما أنه سبب لهذا الاضمحلال فيرجع إلى قلة وفود الحجاج ونقص إيراد الكنيسة من الأمم الشمالية إلى روما؛ وأما أنه نتيجة فلأنه استبدل بطريق البحر المتوسط ومصر إلى الهند الطريق المائي كله، ونشأت التجارة الأوربية مع أمريكا التي أغنت بلاد المحيط الأطلنطي وكانت من أسباب فقر إيطاليا. فقد أخذت التجارة الألمانية يزداد انتقالها في نهر الرين إلى مصبه في بحر الشمال، ويقل