وعدم تسامحها، واضطهاد المذهبين المتعاديين أحدهما للآخر في إنجلترا، كان هذا كله مشجعاً على وجود تعسف مقابل له في إيطاليا (٣)، وحلت مبادئ إجناشيوس ليولا Ignatius Loyala وجهاده الديني محل مبادئ إرزمس الحرة المتحضرة؛ ذلك أن الحرية ترف لا يكون إلا مع الأمن والسلم.
واتسع نطاق الرقابة على المطبوعات التي بدأت أيام البابا سكتس الرابع فوضعت في عام ١٥٥٩ قوائم بالكتب المحرمة لخطرها على الدين أو الأخلاق، وأنشئ مجلس لوضع قوائم التحريم في عام ١٥٧١. ويسر استعمال الطباعة أعمال الرقابة، ذلك أن مراقبة الطابعين العموميين كانت أيسر من مراقبة الأفراد النساخين. وحدث في البندقية التي كانت تكرم وفادة اللاجئين المفكرين والسياسيين أن شعرت الدولة نفسها بما في الانقسام الديني من ضرر على الوحدة الاجتماعية والنظام، ففرضت (١٥٢٧) رقابة على المطبوعات، وانضمت إلى الكنيسة في منع نشر المطبوعات الروتستتنتية، وقاوم الإيطاليون هذه الخطط في أماكن متفرقة؛ وبلغ من حنقهم على واضعيها أن الجماهير من أهل روما ألقت بتمثال البابا بولس الرابع بعد موته (١٥٥٩) في نهر التيبر، وأحرقت المقر الرئيسي لمحكمة التفتيش، وظلت النار مشتعلة فيه حتى دمرته عن آخره (٤). لكن هذه المقاومة لم تكن منظمة بل كانت مفردة منقطعة، وغير ذات أثر فعال، وبذلك انتصر الطغيان، واستحوذت على روح الإيطاليين التي كانت من قبل مرحة، مبتهجة، متدفقة، نزعة من الاكتئاب، والتشاؤم، والاستسلام، حتى لقد صارت عادة لبس الثياب السود- القلنسوة السوداء، والصدارة السوداء، والجورب الأسود، والحذاء الأسود- صارت هذه العادة طراز إيطاليا التي كانت في سالف الأيام مولعة بالألوان الزاهية، كأن الشعب قد اتشح بالسواد حداداً على المجد الذي زال والحرية التي ماتت (٥).
وصحب هذا الارتكاس الذهني بعض التقدم الخلقي. فقد تحسن سلوك