الحكم الجمهوري وأشكاله؛ وقد وضع نظاماً للتجسس تغلغل في داخل كل أسرة، واتخذ من قساوسة الأبرشيات أنفسهم عيوناً له (٢٩)؛ وأرغم الناس على الجهر بعقائد دينية واحدة. وتعاون مع محكمة التفتيش؛ وكان شرها في طلب الثروة والسلطان، استغل احتكار الدولة للحبوب، وفرض على رعاياه أفدح الضرائب، وقضى على حكومة سينا شبه الجمهورية، لكي يجعل هذه المدينة جزءاً من أملاكه كما كانت أرتسو وبيزا جزءاً منها، وأقنع البابا بيوس الخامس بأن يمنحه لقب كبير أدواق تسكانيا (١٥٦٩).
وعوض البلاد بعض التعويض عن استبداده وانفراده بالحكم بأن نظم لها إدارة حكومية حازمة صالحة، وجعل لها جيشاً وشرطة تعتمد عليهما، ونظاماً قضائياً قديراً لا يتطرق إليه الفساد، وكان بسيطاً في معيشته، يتجنب الاحتفالات والمظاهر الكثيرة النفقة، وراعى في إدارته المالية الاقتصاد بل الشح، وترك لابنه من بعده خزانة عامرة بالأموال. وكان النظام والأمن السائدان في الشوارع والطرق العامة سبباً في انتعاش التجارة والصناعة بعد أن اصابتهما الضربات القاصمة من جراء الثورات المتتابعة. وأدخل كوزيمو صناعات جديدة، كصناعتي المرجان والزجاج، واستقدم اليهود من البرتغال وبسط عليهم حمايته لينشط بذلك نمو البلاد الصناعي، ووسع رقعة ليغورنو ( Leghorn) وجعل منها ثغراً نشيطاً دائم الحركة. وجفف مستنقعات مارما Maremma ليطهر هذا الإقليم ومدينة سينا المجاورة له من الملاريا. واستمتعت سينا، كما استمتعت فلورنس، أثناء حكمه الاستبدادي الصالح بالرخاء أكثر من ذي قبل. واستعان بجزء من الأموال التي جمعها على مناصرة الأدب والفن في غير إسراف، وكان يميز في ذلك بين الغث والثمين، ورفع الأكاديميا دجلي أوميدي Accademia degli Umdi إلى مكانة رسمية فجعلها مجمع فلورنس العلمي، وعهد إليها أن تضع القواعد التي تجب مراعاتها في اللغة التسكانية الفصيحة، واتخذ فاساري وتشليني صديقين له،