وبذل جهداً كبيراً ليقنع أنجيلو بالعودة إلى فلورنس، وأنشأ مجمعاً للتخطيط Arte del Designo كان هو رئيس شرف له، وأقام في بيزا (١٥٤٤) مدرسة لعلم النبات لا يفوقها في قدم عهدها وفي مكانتها إلا مدرسة بدوا، وما من شك في أن في وسع كوزيمو أن يقول إنه لم يكن يستطيع فعل هذا الخير كله لو لم يبدأ بقليل من الشر ولم يقبض على الحكم بيد من حديد.
ولم يبلغ هذا الدوق صاحب اليد الحديدية الرابعة والخمسين من عمره حتى كان عبء السلطة والمآسي العائلية قد أنهكه وهد قواه، فأما المآسي العائلية فنذكر منها أن زوجته واثنين من أبنائه ماتوا في خلال بضعة أشهر في عام ١٥٦٢؛ وكان سبب موتهم حمى الملاريا التي أصيبوا بها أثناء اشتغاله بتجفيف مناقع مارما. ثم ماتت ابنة له بعد عام من ذلك الوقت، وفي عام ١٥٦٤ عهد بحكم البلاد الفعلي إلى ابنه فرانتشيسكو، وحاول أن يواسي نفسه بالحب والغرام، ولكنه وجد في التنقل بين العشيقات من الملل أكثر مما وجد منه في الزواج. ومات في عام ١٥٧٤ في الخامسة والخمسين من عمره، وقد جمع من الصفات أحسن ما كان لأسلافه وشر ما كان لهم.
ولسنا ننكر أن فلورنس لم تنتج في ذلك الوقت رجالا من طراز ليوناردو أو ميكل أنجيلو، ولم يكن فيها في ذلك العهد فنانون يضارعون تيشيان الرجل المتحضر العالمي الصيت أو تنيتورتو الثائر أو فيرونيز الفرح الطروب؛ ولكنها مع ذلك قد حدثت فيها في عهد كوزيمو الثاني نهضة بلغت من القوة الحد الذي يمكن أن يتوقعه الإنسان من جيل نشأ بين الثورات المخففة، والهزائم العسكرية. لكن تشيليني رغم هذا يحكم على الفنانين الذين استخدمهم كوزيمو بأنهم "عصبة لا يوجد لها الآن مثيل في العالم كله"(٣٠). وذلك تعبير جرى عليه الفلورنسيون في بخس فن البندقية. وكان بينيفنوتو يرى أن الدوق نصير للفن تذوقه له أكبر من سخائه عليه؛ ولكن لعل هذا الحاكم القدير كان يرى أن التعمير الاقتصادي والتنظيم السياسي أكثر أهمية