الرابع لاحتجاج رجال من طراز بياجيو فأمر دانييلي دا فلتيرا Daniele de Voterra بأن يصور سراويل للأجزاء التي لا يليق ظهورها من الصور، فما كان من روما إلا أن لقبت الفنان المسكين "بخياط السراويل، il Braghettone. على أن أجل صورة في هذا المنظر الشامل القاتم ترتدي أثواباً سابغة تغطي كل جسمها، تلك هي صورة مريم العذراء التي تعد أثوابها آخر انتصار أحرزه الفنانون في تصوير الثياب، والحق أننا لانجد في هذه الصورة التي تمجد الوحشية الآدمية عنصراً ينقذها من هذه الوهدة إلا نظرة الارتياح والشفقة البادية على وجه العذراء.
وأزيح الستار عن هذه الصورة يوم الاحتفال بعيد الميلاد في عام ١٥٤١ بعد كدح دام ست سنين، وكانت روما وقتئذ توشك أن تدخل في عهد من الرجعية الدينية ضد أساليب النهضة، فارتضت صورة يوم الحساب على أنها مما يتفق مع الدين ومع الفن العظيم، ووصفها فاساري بأنها أروع الصور كلها على الإطلاق، وأعجب الفنانون بما فيها من دقة التشريح، ولم يروا عيباً في المغالاة في حجم العضلات، ولا في المواقف الغريبة الشاذة، ولا في كثرة الأجسام البشرية، بل حدث نقيض هذا فأخذ كثيرون من المصورين يقلدون أساليب هذا الفنان المعلم وشذوذه، وأوجدوا المدرسة النمطية التي بدأ بها اضمحلال الفن الإيطالي، وحتى غير الفنانين قد أدهشتهم المراعاة والتناسب في الأحجام مما أظهر بعض أجزاء الصورة وكأنها نقش بارز، كما أدهشتهم المراعاة الدقيقة لفن المنظور التي جعلت طول الأجسام السفلي مترين، والوسطى ثلاثة أمتار، والعليا أربعة. وإذا نظرنا إلى هذا المظلم اليوم فإننا لا نستطيع أن نحكم عليه حكما عادلا صحيحاً، فلقد أضر به دانيلي حين ألبسه السراويل، كما أضرت به الأثواب التي ألبستها بعض أشكاله بعدئذ في عام ١٧٦٢، وآذاه التراب والدخان، وما علاه من قتام مدى أربعة قرون.