وبعد أن استراح ميكل أنجيلو أربعة أشهر بدأ (١٥٤٢) يعمل في مظلمين في المعبد الذي بناه أنطونيو دا سنجلو لبولس الثالث في قصر الفاتيكان، وكان واحد منهما يمثل استشهاد القديس بطرس، والثاني تنصر القديس بولس، وهنا أيضا أطلق الفنان العجوز لنفسه العنان في المغالاة في تصوير الأجسام البشرية، ولما أتم الصورتين كان قد بلغ الخامسة والسبعين من العمر، وقال لفاساري إنه صورهما رغم أنفه، وإنه بذل في تصويرهما جهداً شديداً ولاقى عناءً كبيراً (٥٧).
غير أنه لم يحس بأنه قد بلغ من العمر ما يحول بينه وبين الاشتغال بالنحت، بل إنه كان يقول إن المطرقة والنحت يساعدانه على الاحتفاظ بصحته، ولقد كان، يرسم صورة العشاء الأخير يجد من حين إلى حين ملجأ وسلوى في الرخام الذي في مرسمه. ففي عام ١٥٣٩ نحت تمثال برونس الصارم القوي (المحفوظ في بارجلو) الخليق بأن يضم إلى أعظم التماثيل الرومانية الملونة. ولعله قد نحته ليؤيد به ما حدث منذ قليل من قتل الطاغية أليسندرو ده ميديتشي في فلورنس، وليكون نذيرا للطغاة في المستقبل. وبعد أحد عشر عاماً من ذلك الوقت نحت وهو في فترة من المزاج الرقيق تمثال العذراء تبكي أمام المسيح الميت، والذي يقوم الآن خلف مذبح كاتدرائية فلورنس، وكان يرجو أن يوضع هذا التمثال فوق ضريحه، ولذلك أخذ يعمل فيه كالمحموم، وكثيراً ما كان يواصل العمل ليلا في ضوء شمعة مثبتة في قلنسوته، ولكن ضربة شديدة من مطرقه أضرت بالتمثال ضرراً لم يسعه إلا أن يتركه معتقداً أنه قد حاق به الأذى ما لا يمكن إصلاحه، غير أن خادمه أنطونيو ميني استهداه إياه، وأخذه، وباعه إلى رجل من فلورنس. والتمثال ثمرة مدهشة لجهود رجل في السابعة والخمسين من العمر، فجسم المسيح الميت ممثل دون مبالغة، وتمثال مريم الذي لم يتم هو الرقة بعينها ممثلة في الحجر، ووجه نيقوديموس Nicodemos المقنع الرائع يمكن أن يمثل،