يوم السحاب ودراسة جميلة لسيبيله، وصورة تخطيطية للقديسة آن، لا تكاد تقل في دقة فكرتها عن صورة ليوناردو نفسه، والصورة الغريبة التي رسمها لفتوريا كولنا الميتة، وهي ذات وجه لا تستبان معارفه وثديين ذابلين، وقد رجع لفي حديث له نقله عنه فرانتشيسكو ده هولندا Francisco de Hollanda بجميع الفنون إلى فن التصميم فقال:
إن فن التصميم أو الرسم الدقيق … هو أساس فنون التصوير الملون، والحفر، والعمارة، وكل شكل من أشكال التمثيل وجوهرها، كما هو الأساس والجوهر للعلوم بأجمعها، ومن المستطاع أن يتقن هذا الفن ويبرع فيه حصل على كنز عظيم … ذلك أن جميع أعمال العقل البشري واليد البشرية إما أن تكون هي التصميم نفسه وإما أن تكون فرعاً من ذلك الفن (٦٧).
وظل وهو يصور بالألوان رساماً أقل اهتماماً باللون منه بالخطوط، يسعى قبل كل شيء لرسم صورة معبرة مفصحة، أو التعبير بالفن عن موقف آدمي، أو نقل فلسفة للحياة عن طريق الرسم والتخطيط، وكانت يده هي يد فيدياس أو أبليز، وصوته صوت أرميا أو دانتي، ولسنا نشك ي أنه في أحد تنقلاته بين فلورنس وروما قد وقف عند أرفيتو ودرس صور العرايا التي رسمها سنيوريلي في تلك البلدة، وقد أوحت إليه هذه الصور مضافة إلى مظلمات جيتو وساتشيو بطراز لا يماثله مع ذلك طراز آخر احتفظ به التاريخ، وقد أدخل في فنه، وأظهر فيه من النبل أكثر مما أدخله في الفن وأظهره فيه غيره من الفنانين لا نستثني منهم ليوناردو، أو رافائيل، أو تيشيان، ولم يكن يلهو بالزخرف أو السفاسف؛ ولم يعبأ بالصغائر، أو بالمناظر الطبيعية، أو بالخلفيات المعمارية لصوره أو بالنقوش العربية الطراز؛ بل كان يترك موضوعه يقف وحده غير مزدان ولا مزخرف، ذك أن عقله قد استحوذت عليه رؤيا سامية، خلع عليها شكلا بقدر ما تستطيع اليد أن تخلع على الرؤى أشكالا، تصورها عرافات،