عن حالي فإني أعاني جميع الأمراض التي تصيب الطاعنين في السن، فالحصوة تمنعني من التبول، وحقوي وظهري متصلبان تصلباً يمنعني في كثير من الأحيان عن صعود الدرج" (٦٣)، ومع ذلك فقد ظل حتى سن التسعين يخرج إلى الخلاء مهما تكن حالة الجو.
وكان يترقب منيته باستسلام المؤمن وانشراح الفيلسوف، وقد قال لفاساري يوماً ما: "لقد بلغت من الكبر درجة يخيل إلي معها أن الموت يجذبني من ردائي ويدعوني إلى السير معه" (٦٤). ويمثله نقش برنزي بارز ذائع الصيت من صنع دانييلي دا فلتيرا ذا وجه مغضن من فرط الألم، شاحب من كبر السن، وأخذ في شهر فبراير من عام ١٥٦٤ يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، ويقضي معظم وقته نائماً في كرسيه الساند، ولم يترك وصية بل كل ما فعله أنه "أسلم روحه لله، وجسمه للأرض، ومتاعه لأقرب أقربائه" (٦٥). وأسلم الروح في ١٨ فبراير من عام ١٥٦٤ وهو في التاسعة والثمانين من العمر، ونقلت جثته إلى فلورنس، حيث دفن في كنيسة سانتا كروس (الصليب المقدس) باحتفالات دامت عدة أيام. ووضع فاساري له تصميم قبر فخم أظهر فيه منتهى التقى والورع.
وقد حكم معاصروه، وأيد حكمهم مر العصور، على أنه أعظم من ظهر على وجه الأرض من الفنانين، رغم ما يتصف به من عيوب لا حصر لها، وهو ينطبق عليه أتم انطباق تعريف "أعظم الفنانين" الذي وضعه رسكن، لأنه "أظهر في مجموعة أعماله أكبر عدد مستطاع من أعظم الأفكار"- أي الأفكار "التي تحرك أعظم مواهب العقل وتسمو بها" (٦٦). فقد كان أولا رساما ممتازاً، كانت رسومه من الكنوز التي يعتز بها أصدقاؤه الذين أهداها إليهم أو اختلسوها منه، وفي وسعنا أن نرى هذه الرسوم اليوم في كاسا بورنارتي Casa Buonartti بفلورنس، أو في خزانة الرسوم بمتحف اللوفر، وهي تضم رسوماً تخطيطية لواجهة كنيسة سان لورندسو، ورسوم