و "براهما جوبتا" يكفي ليجعل عصرهم ذاك أوج الثقافة الهندية" (٥١) ويقول "هَافِل": "في وسع المؤرخ المحايد أن يقول في غير إجحاف أن أعظم فوز ظفرت به الإدارة البريطانية للهند هو أن تعيد لتلك البلاد كل ما كانت قد بلغته في القرن الخامس الميلادي" (٥٢)
لكن هذا العصر الزاهر للثقافة القومية قد اعترضته موجة من غزوات الهون التي كانوا يجتاحون بها إذ ذاك آسيا وأوربا، فيدمرون حضارة الهند وحضارة روما على السواء حيناً من الدهر؛ ففي الوقت الذي كان يجتاح فيه "أتلا" ربوع أوربا، كان "تورامانا" يستولي على "مالْوَا" كما كان "ميهيراجولا" الفظيع يطوح بملوك أسرة "جوبتا" من فوق عرشهم؛ وهكذا لبثت الهند قرناً كاملاً تتدهور إلى عبودية وفوضى؛ وبعدئذ جاء فرع من سلالة أسرة "جوبتا"، وهو فرع "هارشا- فارذانا"، وعاد فاستولى من جديد على الهند الشمالية، وابتنى عاصمة له في "كانوج" فأتاح لتلك المملكة الفسيحة سلاماً وأمنا مدى اثنين وأربعين عاماً، ازدهرت فيها مرة أخرى فنون البلاد وآدابها؛ وتستطيع أن تصور لنفسك عاصمتهم تلك "كانوج" من حيث اتساعها وفخامتها وازدهارها، إذا علمت هذه الحقيقة الآتية التي تعز على التصديق، وهي أن المسلمين حين أتوا عليها بالتخريب (سنة ١٠١٨ م) دمروا عشرة آلاف معبد (٥٣)، ولم تكن حدائقها العامة الجميلة وأحواض السباحة المجانية فيها، إلا جزءاً ضئيلاً من حسنات الأسرة الجديدة؛ وكان "هارشا" نفسه أحد هؤلاء الملوك القلائل الذين يخلعون على الملكية مظهراً- ولو إلى حين- بحيث تبدو أفضل ألوان الحكم على اختلافها؛ فقد كان رجلاً له سحره وله جوانب كثيرة من الثقافة، فقرض شعراً وأنشأ مسرحيات لا تزال تقرأ في الهند حتى يومنا هذا، على أنه لم يسمح لهذه الصغائر أن تتدخل في إداراته الحازمة لمملكته، وفي ذلك يقول "يوان تشوانج": "كان لا يعرف الشعب، ويرى اليوم أقصر من أن يسد له مطالبه، حتى لقد نسي النوم في إخلاصه لأعمال الخير التي كان يقوم بإنشائها" (٥٤) ولقد بدأ في ديانته عابداً