إيطاليا لم تبلغ في العمارة ما بلغته العمارة اليونانية أو القوطية؛ ولم يصل فن النحت فيها ما وصل إليه في بلاد اليونان القديمة؛ ولعلها لم تسم في هذا الفن إلى ما سمت إليه آيات الفن القوطي في تشارتر وريمس؛ ولكنها استطاعت أن تنجب فناناً نحت لآل ميديتشي مقابر لا تقل روعة عن أعمال فيدياس وتماثيل باكية للعذراء خليقة بيرا كستليز Peraxiteles.
فإذا انتقلنا إلى فن التصوير في عهد النهضة لم نجد حاجة إلى أن نقول فيه كلمة اعتذار، فهو لا يزال الذروة التي وصل إليها هذا الفن في التاريخ كله، لقد اقتربت أسبانيا من هذه الذروة في أيام الهدوء على أيدي فيلاسكويز Velasquez، ومورلو Murillo، وريبرا Ribera، وزردران Zurdaran، وألجريكو Il Greco؛ واقتربت منها كذلك بدرجة أقل فلاندرز وهولندا على أيدي روبنز ورمبراندت، أما المصورون الصينيون واليابانيون فقد سموا إلى ذرى خاصة بهم، وتبدو لنا صورهم أحياناً كأنها ذات عمق خاص شديد، إن لم يكن لشيء فلأنها تنظر إلى الإنسان نظرة الإكبار. لكن فلسفة هاتين الأمتين الأخيرتين العميقة التفكير، وما تتسم به زخارفهما من رشاقة وظرف يعلو عليها كلها ما في فن المصورين الفلورنسيين رافائيل وكريجيو، والمصورين البنادقة من قوة وتعقيد واسعي المدى، وما في الألوان من حيوية وحماسة، نعم إن فن التصوير في عصر النهضة كان فناً جسدياً شهوانياً، وإن كان قد أخرج بعض روائع الصور الدينية التي تعد من أرقى ما أخرجه هذا الفن، كما أخرج طائفة من الصور التي تصل إلى السماك الأعلى في روحانيتها ونبلها- كالتي نشاهدها في سقف معبد ستيني، غير أن هذه الشهوانية لم تكن أكثر من رد فعل طبيعي سليم، ذلك أن الجسم البشري طالما حقر وندد به، كما أن النساء قد قاسين طوال القرون الظالمة كثيراً من ضروب التشنيع يُوجهها إليهن التنسك الشديد القاسي، وكان من الخير أن تؤكد الحياة، وأن يرفع الفن من جديد، شأن جمال الأجسام البشرية الصحيحة السليمة. لقد ملت النهضة