وكانت الدراسات العميقة المخلصة التي أحيتا الآداب والفلسفة القديمة من عمل إيطاليا، وفيها نشأت الآداب الحديثة الأولى، وكان منشؤها هو هذا الإحياء وذاك التحرر؛ ولسنا ننكر أنا لا نجد بين الكتاب الإيطاليين في ذلك العهد من يضارع إرزمس وشكسبير، ولكن إرزمس نفسه كان شديد الحنين إلى هواء إيطاليا النهضة الصافي الحر، كما إن إنجلترا في عصر الملكة ألزبث كانت مدينة إلى إيطاليا- إلى "الإنجليز المصطبغين بالطبقة الإيطالية"- ببذور ازدهارها، فقد كان أريستو Arisoto وسنادسارو Sannazaro النموذجين اللذين نسج اسبنسر وسدني على منوالهما كما كانا أبوين لهذين الكاتبين الإنجليزيين؛ وكان لمكيفلي وكستجليوني أثر عظيم في إنجلترا في عهد إلزبث واليعقوبيين، ولسنا واثقين من أن بيكن وديكارت كانا يستطيعان القيام بعملهما إذا لم يكن بمبوناتسي ومكيفلي، وتيليزيو Telesio وبرونوا قد مهدوا لهم الطريق بعرقهم ودمائهم.
وما من أحد ينكر أن عمارة النهضة عمارة أفقية تمتد في السعة أكثر مما تعلو في السماء، وأنها لهذا تبعث في النفس الغم والاكتئاب، ونستثني من هذا على الدوام القباب الفخمة التي تعلو في سماء فلورنس وروما. أما الطراز القوطي الذي يرتفع عمودياً ويبعث في النفس النشوة فإنه مظهر لدين يصور حياتنا على هذه الأرض في أنها منفى للروح، ويعقد آمال الإنسان على السماء مسكن الأرباب. وأما العمارة اليونانية- الرومانية القديمة فإنها تعبر عن دين يُسكن أربابه في الأشجار ومجاري المياه، وفي الأرض، وقلما يجعل مقارها في أماكن أعلى من جبل في تساليا؛ ولم تكن تتطلع إلى أعلى لتجد الأرباب. ولم يكن في مقدور هذا الطراز القديم البارد الهادئ أن يعبر عن روح النهضة الشكسة المضطربة؛ ولكنه مع ذلك لم يكن يسمح له بالغناء؛ بل حفظ التنافس الكريم العادل آثار هذا الفن ونقل مثله العليا وأنماطه الرئيسية لتكون جزءا- وشريكاً لا مسيطراً- من فننا المعماري في هذه الأيام. نعم إن