بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ذيوع شهرتهم؟ ولقد كان عصر النهضة عصراً براقاً لماعاً، ولكن مظاهره كلها يسري فيها شيء من التظاهر وعدم الإخلاص، وازدهاء بالثياب الفاخرة الغالية، وبناء أجوف من السلطان المزعزع يعتمد على قوة من داخله ويريد أن ينقض ويصبح كومة من الخرائب إذا ما مسته أيدي جماعة من الغوغاء قاسية القلب، أو هزته صرخة من راهب غاضب لا مقام له.
ترى ماذا نقول في هذا الاتهام الشديد لعصر أحببناه بكل ما في صدور الشباب من حماسة؟ لن نحاول دحض هذا الاتهام؛ فكثير منه صحيح وإن كان مثقلاً بمقارنات ظالمة، ودحض التهم قلما ينفيها نفيا قاطعا، ومعارضة نصف حقيقة بنصف حقيقة مضادة لها عبث لا طائل من ورائه ما لم يكن في الإمكان مزج النصفين لتكون منهما نظرة أوسع وأعدل. وليس من ينكر أن ثقافة النهضة كانت ثقافة أرستقراطية قامت على ظهور الفقراء الكادحين، ولكن أية ثقافة لم يكن هذا شأنها مع الأسف الشديد؟ وما من شك في أن كثيراً من الأدب والفن قلما كان ينشأ دون تركيز الثروة بعض التركيز؛ وحتى الكتاب العدول أنفسهم لابد لهم من كادحين غير منظورين، يستخرجون كنوز الأرض، ويزرعون الطعام، وينسجون الثياب، ويصنعون المداد. ولسنا نريد أن ندافع عن الطغاة المستبدين، فإن منهم كآل بورجيا من يستحق الخنق؛ ومنهم من بدد في مظاهر الترف الكاذب الأموال المأخوذة من عرق الشعب ودمائه؛ ولكننا نعتذر بشيء على فِعال كوزيمو وحفيده لورندسو اللذين فضلهما أهل فلورنس بلا ريب على حكم ذوي المال الذي شاعت فيه الفوضى. أما عن الانحلال الأخلاقي، فقد كان هو ثمن التحرر العقلي؛ ومهما كان هذا الثمن غاليا، فإن التحرر هو الحق الطبيعي الذي ورثه العالم الحر، وهو نسيم الحياة الذي تستنشقه أرواحنا في هذه الأيام.