الراحة. ولقد كان التراث اليوناني بعد عودته عبثاً باهظاً كما كان نعمة وبركة. فقد أغنى النفس الحديثة بما أبرزه من المثل النبيلة، ولكنه كاد يخنق تلك الروح الفتية- التي كانت ترعرعت توا ونهضت- تحت عبء عدد لا يحصى من العمد، والتيجان، والطيلات والقواصر. ولعل هذه العودة إلى القديم، وهذه العبادة للنسب (حتى في الحدائق)، قد حالت دون نماء فن إيطالي موائم لبيته، كما عاق بعث اللغة اليونانية على أيدي الكتاب الإنسانيين نمو الأدب باللغة القومية.
وقد أفلح التصوير في عهد النهضة في التعبير عن لون ذلك العهد وانفعالاته. ووصل بالفن إلى درجة من الرقة لم يعل عليها قط في وقت من الأوقات، لكنه هو أيضاً لم يخل من أخطاء وعيوب. فقد كان اكبر ما يهتم به هو الجمال الشهواني المائل في الأثواب الفخمة والأجسام الموردة، وحتى صوره الدينية نفسها، كانت تنم عن عواطف شهوانية تهتم بالأشكال الجسمانية أكبر مما تهتم بالمعاني الروحية، وإن كثيراً من صور الصلب في العصور الوسطى لتصل في النفس إلى أعماق أبعد مما تصل إليها صور العذراء المحتشمة في فن النهضة. ولقد جرأ الفنانون الهولنديون والفلمنكيون على تصوير وجوه غير جذابة وأثواب عارية غير ذات جمال، وعلى أن يبحثوا وراء هذه الظاهرة البسيطة عن أسرار أخلاق الناس وعن عناصر الحياة؛ وما أكثر ما تبدو صور البندقية العارية- حتى عذارى رافائيل نفسها- بجانب صورة الافتتان بالحمل لفان إيك Van Eyck! وليس ثمة صورة تفوق صورة يوليوس الثاني لرافائيل. ولكن هل في مائة الصور الذاتية التي أخرجها الفنانون الإيطاليون ما يضارع تصوير رمبراندت الصادق لنفسه أو انتشار فن التصوير في القرن السادس عشر ليدل على قيام طبقة الأثرياء المحدثين، وعلى شغفهم بأن يبصروا