إلى الحياة، لأن قوة الطراز وسلامته تكمنان في ائتلافه مع حياة زمانه وثقافته، ولقد كان في العصر العظيم الذي ترعرع فيه الفن اليوناني والروماني قيوداً رواقية رفعها التفكير اليوناني إلى مقام المثل الأعلى، وكثيراً ما تحققت في أخلاق الرومان، ولكن هذه القيود لم تكن تتفق بحال مع ما كان يتسم به عهد النهضة من حرية، وانفعال، واضطراب، وإفراط. وأي شيء يتعارض ومزاج الإيطاليين في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أكثر مما يتعارض معه السقف المستوي، والواجهة الرباعية المنتظمة، والصفوف الكئيبة من النوافذ التي لا تختلف واحدة منها عن الأخرى، والتي كانت وصمة في جبين قصور عصر النهضة؟ ولما أن ملت العمارة الإيطالية هذا التكرار المسئم، وتلك العودة المتكلفة إلى الطراز القديم، انطلقت انطلاق التاجر البندقي الذي تغتصب أمواله لتعطى إلى تيشيان، تفرط في الزخرف والبهاء، وانحدرت من الطراز القديم إلى الطراز المشوه الجديد.
كذلك لم يستطع فن النحت القديم أن يعبر عن روح النهضة، ذلك أن القيود لابد منها للنحت، وهذه الوسيلة الباقية على الأيام لا يمكن أن تحسن للتعبير عن تلوٍّ أو ألم هو بطبيعته قصير الأجل. إن النحت حركة مخلدة، وانفعال انصرف عليه صاحبه، وجمال أو شكل احتفظ به من أثر الأيام في المعدن المتجمد أو في الحجر الذي يقاوم فعل الزمن. ولعل هذا هو السبب في أن أعظم ما خلفه حجر النهضة من ثمار النحت هو المقابر أو تماثيل العذراء الباكية التي استطاع بها الإنسان القلق أن ينال الهدوء والطمأنينة في آخر الأمر. ولقد ظل دوناتلو، رغم ما بذل من الجهود ليقلد المثالين الأقدمين، قوطياً يكافح كي يصل إلى هذه الغاية ويأمل في الوصول إليها. وكان مكيل أنجيلو يضع لنفسه قوانينه، فكان كأنه مارد جبار سجين في مزاجه، يكافح عن طريق تصوير العبيد والأسرى كي يصل إلى ساحة السلام والجمال، ولكن إسرافه في الانفعال وعدم التقيد بالقوانين حرمه