وتدلنا مذكرات "يوان تشوانج" على أن الروح العقلي الذي ساد ذلك العصر كان روحاً من نشوة دينية؛ وهو يرسم لنا بمذكراته صورة رائعة تنم عن شهرة الهند إذ ذاك في سائر الأقطار؛ فهذا الصيني الأرستقراطي يغادر حياته المترفة الهينة في بلده النائي "تشانجان" ليعبر الصين الغربية التي لم تبلغ من الحضارة إلا مبلغاً ضئيلاً، ويمر بطشقند وسمرقند (التي كانت مدينة زاهرة إذ ذاك)، ثم يتسلق الهمالايا ليدخل الهند، يقيم ثلاثة أعوام يدرس دراسة المتحمس في جامعة الدير بمدينة "نالاندا"؛ ولما كان "يوان تشوانج" ذائع الصيت باعتباره عالماً وباعتباره إنساناً له مكانته الاجتماعية، فقد توجه إليه أمراء الهند بالدعوات؛ وسمع "هارشا" أن "يوان" كان في بلاط "كومارا" ملك أسام، فدعا "كومارا" إلى زيادة " كانوج " مستصحباً "يوان"، فرفض "كومارا" دعوته قائلاً أن "هارشا" يستطيع أن يفصل رأسه لكنه لا يستطيع أن يأخذ منه ضيفه؛ فأجابه "هارشا" قائلاً: "إنني لا أقلقك إلا ساعياً في سبيل رأسك" وجاءه "كومارا" وعندئذ أعجب "هارشا" بعلم "يوان" وأدبه، وأمر بأعيان البوذيين فعقدوا اجتماعاً أنصتوا فيه إلى "يوان" وهو يعرض عليهم مذهب "ماهايانا"؛ وعلق "يوان" قائمة بآرائه على باب الرواق الذي أعد للاجتماع والنقاش، وأضاف إلى تلك الآراء حاشية على طريقة ذلك العصر، يقول فيها:"إذا وجد أحد من الحاضرين هنا غلطة في تسلسل آرائي، واستطاع تفنيد قول من أقوالي، فله أن يبتر رأسي عن جسدي"؛ ودامت المناقشة ثمانية عشر يوماً، استطاع خلالها "يوان"(هكذا يقول يوان نفسه) أن يرد كل اعتراض، وأن يصد كل الزنادقة (وهناك رواية أخرى تقول أن معارضيه ختموا الاجتماع بإشعال النار في الرواق (٥٦)؛ وبعد مغامرات كثيرة التمس "يوان" طريقه عائداً إلى بلده "تشانجان" حيث عمل إمبراطورها المستنير على صيانة الآثار البوذية في معبد فاخر، تلك الآثار البوذية التي أحضرها معه هذا الرحالة الورع،