للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن ننظر إليهم في ضوء الظروف المحيطة بهم في أيامهم، لقد كان في وسع شمالي أوربا أن تحس بأخطائهم لأنها كانت تمدهم بالمال ولكن الذين عرفوا ما كانت تفيض به إيطاليا بين عهدي نقولاس الخامس (١٤٤٧ - ١٤٥٥) - ولو العاشر (١٥١٣) (١٥٢١) هم وحدهم الذين كانوا ينظرون إليها بعين التسامح ذلك أن أكثرهم قد ارتضوا عقيدة النهضة القائلة إن العالم وإن كان مسرحاً للدموع والمغويات الشيطانية يمكن أن يكون أيضاً منظراً ذا جمال وحياة قوية عارمة وسعادة سريعة الزوال عابرة وإن كان بعضهم صالحين أتقياء. ولم يكونوا يرون عيباً في أن يستمتعوا بنعيم الحياة والبابوية مجتمعين.

ولم تكن تنقصهم الفضائل. فقد بذلوا جهدهم كي يخلصوا رومة من القبح والأقذار التي تردت إليها أثناء غياب البابوات في أفينون. لقد جففوا المستنقعات (لا بأيديهم هم بل بأيدي غيرهم وهم مستريحون) ورصفوا الشوارع، وأعادوا بناء الجسور ومهدوا الطرق، وأصلحوا موارد مياه الشرب وأشأوا مكتبة الفاتيكان ومتحف الكابينول، ووسعوا المستشفيات، ووزعوا الصدقات وبنوا الكنائس أو رمموها، وجملوا المدينة بالقصور والحدائق، وأعادوا تنظيم جامعة رومة، وأعانوا الكتاب الإنسانيين على إحياء الآداب والفلسفة والفنون الوثنية القديمة وهيأوا الأعمال للمصورين والمثالين والمهندسين المعماريين الذين خلفوا ورائهم من الأعمال ما هم تراث خالد ثمين لجميع بني الإنسان. وإذا كانوا قد بددوا الملايين، فإنهم قد أنفقوا ملايين مثلها في أعمال البناء والتعمير. ولسنا ننكر أنهم انفقوا في بناء كنيسة القديس بطرس الجديدة أكثر مما كانت تطيقه موارد البلاد ولكن ما أنفقوه عليها ليس أكثر نسبياً مما أنفقه ملوك فرنسا فيما بعد على قصور فونتيه بلو وفرساي واللوار، ولعلهم كانوا يظنون وقتئذ أنهم لا يفعلون