فرنسا وحياة الاستهتار التي يحياها الرهبان إلى حد لم يبق لهم معه أي احترام عند الملوك أو الأمراء أو المتينين من الناس (٤٤). وقد أجمل مؤرخ كاثوليكي وصف هذه المفاسد كلها كما رآها في عام ١٤٩٠، ولعله كان مبالغاً بعض الشيء في قسوته فقال:
اقرأ ما يفيض به ذلك العهد من أدلة وشواهد-طرائف تاريخية وتعنيف ينطق به رجال الأخلاق، وهجاء يكتبه العلماء والشعراء، ومراسيم بابوية ومجامع دينية مقدسة-ماذا تجد في هذه كلها؟ إنك لتجد فيها نفس الحقائق ونفس الشكاوى .. التحرر من حياة الأديرة ومن النظام والأخلاق الكريمة وما أكثر ما تجد في الأديرة من لصوص وفسقة، وإذا شئت أن تدرك ما في هذه الأديرة من فوضى فعليك أن تقرأ ما كشفت عنه البحوث القضائية من تفاصيل الحالة الداخلية للكثرة الغالبة من الأديرة الكبيرة … ولقد بلغت المساوئ المنتشرة في أديرة الكرثوذيين درجة أصبحت معها هذه الأديرة مضرب المثل في سوء السمعة في كل مكان تقريباً .. أما أديرة الراهبات فقد اختفت فيها حياة الرهبنة عن آخرها … فاستحالت دور العبادة بسبب هذه المساوئ كلها بؤراً للفساد وسوء النظام (٤٥).
أما رجال الدين غير المنتمين إلى طوائف الرهبان، فكانوا خيراً من الرهبان الإخوان، إذا تساهلنا في عادة التسري التي كانت شائعة بينهم، وكانت أكبر آثام قسيس الابرشية هي جهلة (٤٦) ولكنه لم يكن يتقاضى إلا القليل الذي لا غناء فيه من الأجر وكان يرهق بالعمل ومن أجل هذا لم يكن يجد من الوقت أو المال ما يعينه على الدرس، وتدل التقوى الشائعة بين عامة الشعب على أنه كثيراً ما كان محبوباً مبجلاً. وكثيراً ما كان هؤلاء القساوسة يحنثون بقسمهم على أن يلتزموا العفة والطهارة. ففي نورفولك بإنجلترا مثلاً نظرت المحاكم في ثلاث وسبعين تهمة خاصة بعدم العفة في عام ١٤٩٩، وكان منها خمس عشر تهمة موجهة إلى رجال الدين،