ابنة تاجر ثري أن تحظى بزوج نبيل ولقب من ألقاب الشرف، ولو أن نشوس قد عاد إلى الحياة بعد موته لدهش إذ رأى أن حفيدته قد أصبحت دوقة وتصنعت الطبقات الوسطى ما استطاعت أن تتصنعه من عادات الأشراف، فبدأ أفرادها يخاطب بعضهم بعضاً في إنجلترا بلفظ سيد وفي فرنسا بلفظ Monsieur، وسرعان ما أصبح كل رجل في كلا البلدين سيداً كما أصبحت كل امرأة سيدة (١).
وكان تقدم الصناعة أسرع من تقدم الزراعة، فلم يحل عام ١٣٠٠ حتى كادت جميع مناجم الفحم في إنجلترا تستغل، وحتى كان الحديد، والفضة، والرصاص، والقصدير يستخرج من باطن الأرض، وحتى كان تصدير المعادن من أهم الصادرات إلى البلدان الأجنبية، وكان من الأقوال التي تجري على الألسنة أن "قيمة المملكة في باطن الأرض أعظم منها في ظاهرها". وبدأت صناعة الصوف في ذلك القرن تزيد من ثراء إنجلترا فأخذ كبار الملاك ينتزعون الأرض شيئاً فشيئاً من المستأجرين وأرقاء الأرض الذين كانوا يستخدمونها في الزراعة ويحيلون أجزاء واسعة منها إلى مراعٍ لتربية الضأن إلا إن بيع الصوف كان يدر عليهم من المال أكثر مما يدره حرث الأرض، وأتى على تجار الصوف حين من الدهر كانوا فيه أغنى التجار في إنجلترا، وكان في مقدورهم أن يقدموا للملك إدوارد الثالث أموالاً طائلة في صورة ضرائب وقروض، ومع ذلك فقد عمل الملك على خرابهم. ذلك أن إدوارد الثالث قد ساءه أن يرى الصوف الغفل يخرج من إنجلترا ليغذي صناعة النسيج في فلاندرز، فأغرى النساجين بالمجيء إلى بريطانيا
(١) إن هذا اللفظ ترجمة للفظ الإنجليزي. وهو مشتق من اللفظ الإنجليزي الفرنسي "ليفريه" أي التسليم، أو المنحة من طعام أو ثياب يعطيها السيد لمواليه. واتخذت الثياب على مر الزمن صورة حلة رسمية يلبسها أتباع السيد العظيم تفاخراً وأبهة. واتخذت نقابات الحرف هذه العادة، فكان أعضاؤها يلبسون الحلل المميزة لهم أثناء اجتماعاتهم واستعراضهم. وكانت هذه العادة من أسباب الزينة والمرح في "إنجلترا الطروب".