للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقرهم في أغلب الظن من الشدة ما كان عليه في أوائل القرن التاسع عشر، وكان المتسولون في البلاد كثيرون، وقد نظموا أنفسهم تنظيماً يقصد به حماية مهنتهم وحكمها، وكانت الكنائس، والأديرة، ونقابات الحرف تقدم قليلاً من الصدقات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وفاجأ البلاد-وهذه حلها-الوباء المعروف في الموت الأسود، ولم يكن هذا الوباء كارثة حلت بها فحسب، بل كاد يكون ثورة اقتصادية. ذلك أن سكان إنجلترا كانوا يعيشون في جو يصلح للزراعة والإنبات ولكنه يضر بالصحة فقد كانت الحقول خضراء طوال أيام السنة، ولكن الأهلين كانوا يقاسون آلام النقرس، والروماتزم، والربو، وعرق النسا، وذات الرئة، والاستسقاء، وأمراض العين والجلد. وكانت الطبقات كلها تتخم معدتها بالطعام (إن وجدته) وتدفئ أجسامها بالمشروبات الكحولية. وقد وصفهم رتشارد رول في عام ١٣٤٠ بقوله: "قلما يصل الآن أحد منهم إلى سن الأربعين، وأقل من تلك القلة من يصل إلى سن الخمسين". وكانت النظم الصحية العامة بدائية، فكانت روائع المدابغ العامة، وحظائر الخنازير، والمراحيض تفسد الهواء، وكان الأثرياء وحدهم هم الذين يحصلون على الماء الجاري من أنابيب تمتد إلى بيوتهم، أما كثرة السكان فكانوا ينقلونه من القنوات المغطاة أو من الآبار، وكان أثمن من أن يضيعوه في الاستحمام كل أسبوع. ولهذا كله كانت الطبقات الدنيا ضحايا سهلة للأوبئة التي كانت تفتك بالأهلين من حين إلى حين من ذلك أن الطاعون الدملي انتقل في عام ١٣٤٩ من نورماندي إلى إنجلترا وويلز ثم انتقل بعد عام من ذلك الوقت إلى اسكتلندة وايرلندة، ثم عاد إلى إنجلترا في أعوام ١٣٦١، ١٣٦٨، ١٣٧٥، ١٣٨٢، ١٣٩٠، ١٤٣٨، ١٤٦٤، وقضى في هذه السنين كلها على ثلث سكان البلاد، وهلك فيه ما يقرب من نصف رجال الدين، ولعل بعض المساوئ التي شكت منها الكنيسة