معه في ذلك المساء ليتسم الثمن. فلما جاء التاجر، كان باتيلان في فراشه يئن من حمى مزعومة. ويصرح أنه لا يعرف شيئاً عن أذرع الثياب والغذاء. فينصرف التاجر مشمئزاً، فيلعن راعي أغنامه، ويتهمه بالتصرف سراً في بعض الخراف، ويجره أمام القاضي. وهنا يبحث الراعي عن محامٍ زهيد الأجر فبعثر على باتيلان، الذي دربه على أن يمثل دور الأبله وأن يجيب على جميع الأسيئلة بثغاء "الشاه" باء، وتحير القاضي من هذا الثغاء وارتبك من خلط التاجر في شكواه بين الراعي والمحامي، فأعطى فرنسا كلمة مأثورة تدعو فيها كل فريق وهي "فلنعد إلى هذه الأغنام" ولما يئس من الحصول على دليل منطقي في هذه الضجة، رفض القضية وطالب باثيلان المنتصر بأجره ولكن الراعي أجابه بثغاء الشاة "با"، ومكر الأبله بالمحتال البارع. وتتكشف لبقصة بكل ما في الروح الغالية من مهاترة. ولعل رابيليه قد ذكر باتيلان عندما فكر في بانورج، وموليير قد تقمص جرنجور والمؤلف المجهول لهذه المسرحية.
والشخصية التي لا تنسى في الأدب الفرنسي في القرن الخامس عشر هي شخصية فرانسوا فيون. فلقد كذب وسرق وغش وارتكب الفاحشة وقتل، مثله في ذلك مثل ملوك عصره ونبلائه، ولكنه كان أكثر تعقلاً. وبلغ الفقر منه مبلغاً جعله لا يملك حتى اسمه. ولقد ولد فرنسوا دي مونتكوربييه (١٤٣١) ونشأ في غمرات الطاعون والبؤس بباريس، وتبناه قسيس طيب اسمه جويوم دي فيون، فأخذ فرانسوا لقب هذا "الكفيل" فلطخه بالعار وأسبغ عليه الخلود في وقت واحد، وصبر جويوم على فرار الصبي من المدرسة وعبثه ودفع له نفقات تعليمه في الجامعة، واستراح في زهو عندما حصل فرنسوا على درجة ماجستير في الآداب (١٤٥٢)، وزوده بالطعام والمسكن في أروقة كنيسة سانت بنوا ثلاث سنوات بعد ذلك منتظراً أن يبلغ الأستاذ مرحلة النضج.