المُلك بالرياضة الخطرة التي ما فتئ يرتاضها، فأصبح فارساً يتقن ركوب الخيل إلى حد الكمال، وكان يلعب بالكرة والصولجان لعب الملوك، ومهر في فن سياسة الفيلة مهما بلغت من حدة الافتراس، ولم يتردد قط في ارتياد الغابة لصيد الأُسْد والنمور وفي تحمل المشاق مهما بلغ عناؤها، وفي مواجهة المخاطر كلها بشخصه؛ ولكي يكون تركياً أصيلاً، لم يضعف ضعف الإناث فيمج طعم الدماء البشرية؛ من ذلك أنه لما كان في عامه الرابع عشر، دعي ليظفر بلقب "غازي"- ومعناها قاتل الكفار- بأن قدموا له أسيراً هندياً ليقتله فبتر رأس الرجل بتراً في لمحة سريعة وبضربة واحدة من حسامه؛ تلك كانت البدايات الوحشية لرجل كتب له أن يكون من أحكم وأرحم وأعلم من عرفهم تاريخ الدنيا من ملوك (١).
لما بلغ الثامنة عشرة من عمره تسلم مقاليد الأمور من يد الوصي على عرشه، وكانت رقعة ملكه تمتد حينئذ فتشمل أكثر من ُثمن مساحة الهند كلها- فهي شريط من الأرض يبلغ عرضه نحو ثلاثمائة ميل، ويمتد من الحدود الشمالية الغربية عند ملطان إلى بنارس في الجانب الشرقي؛ وامتلأ بما كان يمتلئ به جده من حماسة وجشع، فشرع يوسع هذه الحدود، واستطاع بسلسلة من الحروب التي لم تعرف الرحمة أن يبسط سلطانه على الهندستان كلها، ماعدا مملكة راجبوت التي تخضع لأسرة موار؛ فلما عاد إلى دلهي نزع عن نفسه السلاح، وكرس جهده لإعادة تنظيم حكومة ملكه؛ وكان سلطانه مطلقاً فهو الذي يعين الرجال للمناصب الهامة كلها، حتى ما يقع منها في الأقاليم النائية؛ وكان معاونوه الأساسيون أربعة: رئيس الوزراء ويسمى "فقيراً"، ووزير المالية ويسمى "وزيراً"، وأحياناً يسمى "ديواناً"،
(١) عرف قيمة الكتب في مرحلة متأخرة من حياته، ولما لم يكن قد تعلم القراءة، فقد كان ينصت لغيره ساعات وهو يقرأ له، وكثيراً ما كانوا يقرءون له كتباً صعبة معقدة، حتى أصبح في نهاية الأمر عالماً لا يقرأ، يحب الآداب والفنون، ويؤيدهما بسخاء الملوك.