ورئيس للقضاء ويسمى "بخشي" ورئيس للديانة الإسلامية ويسمى "صدراً"؛ وكان كلما ازداد حكمه استقراراً ورسوخاً في القلوب، قل اعتماده على القوة الحربية، مكتفياً بجيش دائم من خمسة وعشرين ألفاً، فإذا ما نشبت حرب، زادت هذه القوة المتواضعة بمن يجندهم الحكام العسكريون في الأقاليم- وهو نظام متصدع الأساس كان من عوامل سقوط الإمبراطورية المغولية في حكم "أورنجزيب"(١) وفشت الرشوة والاختلاس بين هؤلاء الحكام ومعاونيهم، حتى لقد انفق "أكبر" كثيراً من وقته في مقاومة هذا الفساد؛ واصطنع الاقتصاد الدقيق في ضبط نفقات حاشيته وأهل أسرته، فحدد أسعار الطعام وسائر الأشياء التي كانت تشترى لهم، كما حدد الأجور التي تدفع لمن تستخدمهم الدولة في شئونها؛ ولما مات، ترك في خزينة الدولة ما يعادل بليون ريال، وكانت إمبراطوريته أقوى دولة على وجه الأرض طرًّا (٩٠).
كانت القوانين والضرائب كلاهما قاسياً، لكنهما كانا مع ذلك أقل قسوة منهما قبل ذلك العهد، فقد كان مفروضاً على الفلاحين أن يعطوا الحكومة مقداراً من مجموع المحصول يتراوح بين السدس والثلث، حتى لقد بلغت ضريبة الأراضي في العام ما يساوي مائة مليون ريال؛ وكان الإمبراطور يجمع في شخصه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ وكان إذا ما جلس في كرسي القضاء الأعلى، أنفق الساعات الطوال ينصت إلى أقوال المتخاصمين في القضايا الهامة؛ وكان من قوانينه تحريم زواج الأطفال وتحريم إرغام الزوجة على قتل نفسها عند موت زوجها، وأجاز زواج الأرامل، ومنع استرقاق الأسرى وذبح الحيوان للقرابين، وأطلق حرية العقيدة للديانات كلها، وفتح المناصب
(١) كان الجيش معداً بخير سلاح عرفته الهند حتى ذلك الحين، لكنه كان في هذه الناحية أقل إعداداً من جيوش أوربا إذ ذاك، وفشل "أكبر" في محاولته الحصول على بنادق خير من بنادق جيشه، فتظافر سوء معدات القتل في جيشه مع انحلال خلفه من بعده، على تيسير الفتح الأوربي للهند.