بين الحزب البرجندي والحزب الأرمنياكي-وهم أنصار حمى لويس كونت أرمنياك-من اجل السيطرة على السياسة الفرنسية، ومات جون بدوره مقتولاً بطعنة خنجر من يد مغتال (١٤١٩). وأنكر ابنه فليب الطيب كل سبب من أسباب الولاء لفرنسا، وعقد محالفة بين برجنديا وإنجلترا، وضم تورناي ونامور وبرابانت وهولندة وايزلند، ولمبرج ولوفان. ولما عقد الصلح مع فرنسا (١٤٣٥) فرض الاعتراف بالسيادة العملية لدوقيته، والتنازل عن لكسمبرج، وليج وكامبراي وتراخت. وبلغت برجنديا إذ ذاك أوجها، منافسة في الثروة والسلطان أية مملكة من ممالك الغرب.
وأغلب الظن أن فيليب لم يكسب "الطيب" من القلوب الطيبة. ذلك لأنه لم يكن يترفع عن الغدر والقسوة وسورة الغضب الأهوج. بيد أنه كان ابناً وافياً، وإدارياً بارعاً وأباً محباً حتى لأبنائه الستة عشر غير الشرعيين. وكان كغيره من الملوك شغوفاً بالنساء له أربع وعشرون خليلة، ويصلي ويصوم ويتصدق، وجعل عواصمه-دجون وبروجس وجنت-مراكز الإشعاع الفن للعالم الغربي خارج إيطاليا. وأتاح حكمه الطويل لبرجندنا وولاياتها، من أسباب الترف، ما جعل رعاياه يتسامحون معه ولا يذكر أخطاءه إلا القليل منهم وتدمرت المدن الفلمنكية على حكمه، وتحرقوا شوقاً لرؤية تحول، منظماتهم النقابية وحرياتهم الإقليمية، إلى اقتصاد قومي، في ظل حكومة مركزية. وسحق فيليب وابنه شارل ثوراتهم، ولكنهما سمحا بترضية سليمة، لأنهما أدركا أن أعظم موارد الأمارة إنما تستمد من صناعة هذه المدن وتجارتها وليس من شك أن مناطق الرين السفلى، قبل فيليب كانت تختلف في النظم الاجتماعية وشؤون السياسة، اختلافها في العنصر ولغة الحديث، فضمها في دولة موحدة، وأقر فيها النظام، وأعان على ازدهارها.